وما أرسلناك إلاَّ رحمة للعالمين.. هكذا وصف القرآن الكريم نبيه محمد (ص)، وهكذا كانت رسالته الدينية والإنسانية،وخصوصًا عندما قال مفتخرًا: " إني خلقت في زمن الملك العادل" يفتخر بعدالة رجلٍ يعبد النيران، ويفخر به وبزمانه لأنه رفع ظلم القوي عن الضعيف وحال بين إستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، هذي هي دعوته وهو نبي الإخاء والرحمة ورسول المحبة والسلام.. ولطالما تردِّد أمة محمد(ص) بأنها هي الأمة المرحومة والرحيمة وهي الأمة التي أخذت على عاتقها ودينها أنها تريد السلام والرحمة للبشرية جمعاء، كيف لا والقرآن نفسه إهتمَّ بأهم صفات الله وهي صفة الرحمة.. إنه خطاب ثقيل على إكتاف هذه الأمة المشحونة، بل الأمة الملعونة، تحمل خطابًا أصبح هزيلاً بل مهزلة المهازل.. لا أريد أن ندخل بنقاش لا جدوى منه، بل هو نقاشٌ مريضٌ وعقيمٌ، حتى لا ينبري أحدهم من الأشاوس ليقول لنا هذا ذنب الأمة الإسلامية وليس نفس الإسلام، وهذه هي مسؤولية الثقافة البائسة والمميتة،وليست ثقافة العصر الذهبي منذ العصر الأول، إنها إسطوانة مشروخة، قد مللناها وسئمناها، فهل هناك غير هذا الروتين الفاشل، دعونا نلقي نظرة سريعة على ما جرى وما يجري لهذه الأمة وما يجري بها، لتكشف لنا عن مقولة متناقضة تمامًا عن موقولة نبي الرحمة محمد(ص)... فتاريخنا تاريخٌ كثرت فيه الظلمات وقلَّ فيه الضوء، لنأخذ ما يجري اليوم في بلادنا ومجتمعاتنا،لنرى أين الرحمة التي تنادي بها هذه الأمة، هل في العراق حيث المجازر والقتل والتهجير، أم في اليمن حيث القتل المجاني والحرب في الشوارع، أم في سوريا حيث القتل بمئات الألوف وسحق البشر وقتل الطفولة التي تذكرنا بكربلاء الحسين(ع)، فهل هذه هي الرحمة؟ ربما سينتظرها الكثير في بلاد الإسلام، ونحن في لبنان ستلاحقنا يوماً هذه الرحمة..في واقعنا العلاقات بين أبناء هذه الأمة ودولها قائم على التآمر والتنافس، وبين طوائفها قائمة على الخوف والرعب، وبين أحزابها قائمة على المصالح المؤقتة، حتى ضمن الطائفة الواحدة قائمة على البغض، هل هذه هي الرحمة؟ لنرى رواية واحدة يرويها لنا عميد الرواية السنية  تسبِّب لنا تاريخاً دموياً مرعباً، أو رواية واحدة يرويها لنا عميد الرواية الشيعية تكفي لخلق تاريخ أحمر،رواية واحدة تكفي لتجعل أيامنا تضيع بالحداد والحزن، بل دماء ما بعدها دماء، لتجعلنا في شقاقٍ دائمٍ ومستمرٍ، بل حتى في آيات القرآن الكريم عندما نختلف في تفسير آيةٍ، لأنَّ لغتنا العربية تقرُّ هذا الإختلاف، نتقاتل ونكفر بعضنا البعض، ونتقاتل لكي تكثر فينا الرايات السود، وتنتعش تجارة الأكفان، ويعجز حفَّار القبور عن أداء الواجب، إنها أمة غيَّبت السلام والمحبة، وحلَّت مكانه البغض والخوف المتبادل، فأحرقت أخضرنا ويابسنا، والمسؤولية على الجميع من دون إستثناء، لأننا لا نستسيغ إلا هذا ونحاول جاهدين أن نحوله إلى رحمة...إننا أمة مشحونة..