قال لي صديقي ذات يومٍ يجب أن نحكم بما أنزل الله تعالى، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون،كما قال الله في كتابه الكريم..

قلت له: تمهَّل يا أخي رويدك رويداً أرجوك،كنت أعتقد مثلك ومثل الكثيرين على مدار 20 سنة،لكن حينما تأملت بآيات الله تعالى فوجدتها أقرب إلى اليقين من الظن الذي لا يغني عنه شيئاً،لا تتحدَّث مطلقاً عن السلطة السياسية،يعني الآيات الكريمة لا تقول:ومن لم يحكم بما أنزل الله (في السلطة السياسية) فأولئك هم الكافرون والظالمون والفاسقون..؟يا صديقي لم يُنزل الله تعالى شيئاً لنا لكي نحكم به في السلطة السياسية،إنَّ الله تعالى يريد منَّا أن نكون من أهل الأمانة والعدالة والصدق وحسن الإدارة والخبرة في السلطة السياسية فقط وفقط ..

 

إقرأ أيضا : الديكتاتور الرائع

هذا يا أخي بالإضافة إلى دور الأنبياء والرسل الثابتة لهم في إطار التبليغ والإرشاد الديني،ولا أدري يا أخي كيف ثبتت السلطة السياسية للفقهاء في الوقت التي لم تثبت للرسل والأنبياء، ولم يقم بها أحدٌ في مختلف العصور رغم كثرتهم التي بلغت كما يقولون مئة وعشرين ألف نبي؟؟َ!

وكيف تكون الروايات الصادرة عنهم تعني السلطة السياسية في الوقت الذي لم يمارسوا هم أنفسهم بهذا الدور ولم تكن لهم هذه السلطة بالمعنى السياسي، حتى الروايات الصادرة عن أئمة أهل البيت (ع) وبالأخص الإمام الصادق (ع) القائلة:"انظروا إلى رجلٍ منكم عرف حلالنا وحرامنا ونظر في أحكامنا...فإني قد جعلته عليكم حاكماً.."

تأمل يا أخي،كيف يكون هذا جعلاً للحاكمية السياسية لغيره كمعصوم، والإمام نفسه لم يكن حاكماً بالمعنى السياسي،فإذا كان هذا الدور منوطاً بالإمام(ع) فهل يُعقل أن يتخلَّى الإمام عن هذا الدور ويجعله لغيره...!

يا أخي ويا صديقي دعك من الشعارات الفارغة الرنَّانة الطنَّانة التي قد تسيء للقرآن والأئمة وذلك حينما نفسِّر آياته وفقاً لرغباتنا الدنيوية القذرة العفنة تارة بنية حسنة وأخرى بنيةٍ سيئةٍ مليئةٍ بالدهاء والرياء،وبتحميل آيات الرحمن ما لا تحمله بالإطلاق..

يا أخي لو تأملنا بالآيات الثلاث التي ذكرها القرآن "ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون....الظالمون....الفاسقون.." لو تأملناها وفسرناها كما زعمت يا صديقي وكما تذهب رغباتك فيجب عليك حينها أن تبني دولة التوراة ودولة الإنجيل ودولة القرآن..؟ بينما هذه الآيات الثلاث لا تتحدَّث عن الحكم السياسي أو السلطة السياسية أو الدولة السياسية، ولهذا يا أخي فلنتقِ الله تعالى ونكون من العاقلين الذين لا يفسرون كلام الله تفسيراً لا علاقة للغةِ القرآن به مطلقاً،ولأجل هذا فإنَّ الثابت منها هو في إطار التبليغ والدعوة المتضمن للفقيه والولي في ضمن الأحكام الشرعية الذي ينسجم مع الآيات والروايات ...