مع دخول الإسلاميين إلى العلمنة السياسية من أبواب الإنتخابات البرلمانية وغيرها في أكثر من دولة عربية ، خرجت جملة مصطلحات متعلِّقة بالفقه الإسلامي أكثر ممَّا هي مستندة فيه إلى النصوص أو إلى التجربة الإسلامية. فيقفز مصطلح التكليف الشرعي إلى واجهة مصطلحات الحركات الإسلامية بإعتباره مفتاح التعليب الإنتخابي لجمهورٍ عربي وإسلامي مستسلم لإسلام فقهاء المذاهب والأحزاب وخاصة وأنَّ الإسلاميين قد جعلوا من كلِّ فعل سياسي أو إجتماعي أو تربوي أو إقتصادي فعلاً متعلِّقاً بالثنائي الديني (الحلال والحرام) وهكذا تمَّ للإسلاميين تصويب المسلمين بإتجاه أهدافهم دون أن يكون لهم الخِيَرةُ من أمرهم.. ومخافة الوقوع في الحرام يتقدَّم المسلم إلى تأييد مرشحي الإسلاميين دون معرفةٍ مسبقةٍ بهم وببرامجهم ومآلاتهم بعد وصولهم إلى الندوة البرلمانية أو إلى هيكلٍ من هياكل الدولة.. وبذلك نجح الإسلاميون في الصعود إلى درجات السلطات واكتسحوا البرلمانات العربية والإسلامية  وأصبحوا القوَّة الوحيدة واليتيمة في العالمين العربي والإسلامي وباتت القِوى الأخرى مجرَّد حالات مُستلحقة بالحركات الإسلامية دون أن يكون لها قوَّة تُذكر في تسيير عجلات السلطات العربية والإسلامية ، وقد جاءت نتائج الثورات العربية لتؤكِّد قوَّة التكليف الشرعي المربوط بمصالح الأحزاب الإسلامية..في لبنان برز مصطلح التكليف الشرعي في الإنتخابات البرلمانية والإختيارية من قِبَل الإسلاميين واستطاع أن ينجز ما يلبِّي طموحات القيادات الإسلامية وما يخالف في كثيرٍ منه مصالح وتجمعات المنتخيبين أنفسهم..من هنا وعلى ضوء إرتفاع منسوب الأصوات المنادية بالتكليف الشرعي في الدول العربية والإسلامية نسأل: هل الإنتخاب بالأساس حق شخصي أم تكليف شرعي؟ بالتأكيد كل الأفكار الوضعية والحقوقية تعتبر الإنتخاب حقٌّ مقدَّسٌ للفرد يمارسه لتحسين شروطه السياسية والإجتماعية من قِبَل المُستنوبين عنه ولكن هل وجهة نظر الدِّين متطابقة لنظرة الأفكار اللادينية؟ في التجربة الإسلامية لا توجد إنتخابات بهذا المعنى المستحدث من قِبَل مفاهيم الدولة المدنية وهي تجربة محصورة بين رأيين ومذهبين ذاهبَين بإتجاه أنَّ السلطة هي تعيينٌ وليست إنتخاباً، أو إنتخابٌ من قِبَل أهل الشورى كما تؤمن بعض المذاهب الإسلامية ..لذا تفتَّق الذهن الإسلامي الفقهي على أسئلة جديدة حول السلطة وتفريعاتها وحق الإنتخاب. وقد أدرك الذوق الفقهي ضرورة إستخدام وسائل غير إسلامية لتحصيل مكاسب إسلامية فكان الدخول في العملية الإنتخابية بإعتبارها آلية وصول ومنطق سليم لإدارة البلاد...لقد إنقسم فقهاء الأحزاب والمذاهب وكانت الطبقة الدِّينيَّة هي صاحبة السلطة والسيطرة على الفهم الديني لمسائل سياسية إستخدمت فيها التكليف الشرعي لسوق الناس بالجملة بإتجاه مآرب ومصالح تخدم الدين وتعزِّز من قوَّة الإسلام الحنيف بحسب رأيها.. ثمَّة قلَّة بقيت معارضة لهذا الفهم وأكَّدت أنَّ الإنتخاب شأنٌ بشريٌّ وغير ديني ممَّا يعني أنَّ الإله لا يتدخَّل في تحديد طبيعة المصالح السياسية والإجتماعية وهذا واجبٌ متعلِّق بمصالح الفرد والجماعة والدين هنا مزجوجٌ به ولا تتوفَّر غطاءات دينية نصيَّة لشرعنة مواقف القائلين بأنَّ الإنتخاب شأنٌ ديني وغير بشري وعلى الرعيَّة الإلتزام به كإلتزامها بالصوم والصلاة وباقي العبادات ولذلك يذهب إلى هذه النظرية مفكِّرون وفقهاء شيعيُّون الفقيه الكبير الشيخ النائيني في كتابه (تنبيه الأمة وتنزيه الملة) والفقيه السيد علي الأمين والسيد خاتمي والدكتور سروش والسيد محمد حسن الأمين والشيخ الشبستري وغيرهم من أصحاب هذه المدرسة القائلة: بأنَّ الإنتخاب لا يحمل في ذاته مقولة التكليف الشرعي، فإنتخاب أي قضية معيَّنة من القضايا الإجتماعية لا ينسجم مع مقولة التكليف الشرعي لأنَّ التكليف إنما يكون  ذات معنىً ومقبولاً من الناحية الشرعية إذا ما وقف الإنسان موقفاً فاصلاً بين الحق والباطل فعليه أن يعمل بالحق ويتجنَّب الباطل ولكنَّ الإنتخاب يستلزم أن يتحرَّك الشخص نفسه على مستوى تقييم الخيارات ويتدبَّر نتائجها ومعطياتها وبالتالي يختار أحدها فيما يحقِّق له المطلوب على مستوى تنظيم السياسة وتفعيل القانون وعمل المؤسسات في النظام المدني والسياسي ،نعم يمكن الحديث بلغة التكليف في حقل المواعظ الأخلاقية ،ولكن في مقام تنظيم النشاطات السياسية وتفعيل عمل مؤسَّسات النظام السياسي فإنه لا يكمن التحدُّث بهذه اللغة. ومعلوم أنَّ إنتخاب مؤسسة سياسية وإجتماعية أو إنتخاب إتجاه سياسي صحيح (بمعنى الراجح لا بمعنى الحق) فهذا لا يتحقق إلا من خلال عملية الحوار وتبادل الأفكار والآراء