إنَّ أهم المباني التي يقوم على أساسها صرح المجتمع المدني هو حرية الفرد وحقوقه الذي يمثِّل الحجر الأساس للثقافة المدنية، ويبقى الفرد مسؤولاً عن سلوكه ومعتقداته وما يراه صالحاً، وليس لأحد حق القوامة عليه أو تحميله نمطاً فكرياً خاصاً،وهو مستقل في إنتخاب ما يريده من قيم أخلاقية ومعتقدات دينية وإتجاه سياسي، وتبقى الدولة هي الحامية له ولحريته، وترفع عنه الموانع التي تعترض حقوقه..

ويترتب عليه النظام السياسي الديمقراطي كما هو معلوم، لكي يتيح للشعب مراقبة أعمال الحكام ومحاسبتهم وتسليمهم للقضاء في حالة الخروج عن القانون، ويقوم أيضاً على مقولة "فصل الدين عن الدولة" وهذا ما يسميه المجتمع المدني بالعلمانية، باعتبار أنَّ الدين ليس من شأنه أن يتدخَّل بالأمور الدنيوية كالإقتصاد والسياسة، لأنَّ البشر بما هم عقلاء يتحركون من موقع حاجاتهم بأدوات المعرفة والعقل والعلم، من دون الرجوع إلى ما يسمى بالنص الديني والوحي..

ويعترف المجتمع المدني بالتعددية بمفهومها الواسع ، ليس فقط على مستوى التعددية السياسية والأحزاب بل على مستوى جميع الأديان والثقافات والمذاهب والأخلاق...ومن المعلوم أنَّ المجتمع المدني لا يقبل تقسيم المواطنة إلى درجة أولى وثانية، لأنه يقوم على أمرين:كما يقول "أوستن رني" في كتابه(سياسة الحكم)

 أولاً:أهليته إذا ما وصل سن الرشد الذي تحدده الدولة للمساهمة في عمليات اتخاذ القرارات التي تحدد سياسة الدولة، وذلك عن طريق بعض الوسائل، مثل حق التصويت وحق تولي الوظائف..وثانياً:حقه في أن تقوم الدولة في الداخل والخارج في حماية نفسه وملكيته...

أما في قبال أطروحة المجتمع المدني" يا سماحة السيد"  تتبنى الحركات والأحزاب الإسلامية رؤية مخالفة لهذه الأطروحة الأرضية من خلال الشريعة الإسلامية المقدَّسة لمجتمع ديني يقوم على منظومة خاضعة للتعاليم الدينية والدساتير الوحيانية المستفادة من النص الديني..

ولهذا تعتبر الحركات الأصولية بأن الديمقراطية والعلمانية هما بدعة، لأنَّ حق الحكومة منحصر بالله تعالى "إن الحكم إلا لله" وينصَّب الحاكم على الناس بعد غياب صاحب النص النبي(ص) والأئمة المعصومين(ع) "بحسب الرؤية الشيعية" من خلال النص الديني،فالحق في تولي أمر الحكومة هو الفقيه العادل،وفي رسم معالم النظام السياسي على أساس نظرية "ولاية الفقيه" وعند الحركات الإسلامية السنية على أساس الشورى..

على هذا الأساس فإن المواطن في المجتمع المدني هو الذي يشارك في صنع القرار في عملية الحكم والتقنين من خلال النواب والمرشحين لتولي المناصب السياسية،أما الحركات والأحزاب الدينية لا تسمح بهذا الحق للأفراد،لا في إختيار الوالي،ولا في إختيار الحاكم، لأنه منصَّب من الله تعالى ،إما بالتنصيب الخاص"كما في زمن المعصومين(ع)،أو بالتنصيب العام أي الفقيه العادل المنصب أيضاً من النص الديني..

ولا يحق له أن يساهم في عملية سنِّ القوانين،ولا يحق له أن يحاسب الفقيه، بحسب الرؤية الشيعية، أو الحاكم بحسب الرؤية السنية..

فالمجتمع المدني المبني أساساً على فكرة العقد الإجتماعي يغاير تماماً المجتمع الإسلامي بحركاته وأحزابه.