هناك انطباع عام بأن لبنان كان يعيش شيئاً من الديمقراطية والتعددية بشكلٍ يفضي إلى قيام دولة القانون والدستور،ونتيجة للتدخل الخارجي وبالأخص التدخل الإيراني والسوري،تحول لبنان إلى إستبدادٍ بطابعٍ ديمقراطي،هذا رأيٌ..وهناك من يرى أن يكون لحزب الله الحق في السلطة وخاصة أنه قدَّم الكثير من الشهداء حتى تحرَّر لبنان،وحزب الله اليوم يمثَّل أغلبية الشيعة في لبنان..

ورأيٌ ثالثٌ يذهب إلى أبعد من ذلك وهو أنَّ مشكلة حزب الله والشيعة في لبنان هي مشكلة الشيعة في المنطقة بأكملها،بحيث في أي بلد يوجد أبناء من الطائفة الشيعية يجب أن يندمجوا في أوطانهم وتحت اللعبة السياسية وهذا مما سار عليه زعماء الطائفة أمثال الإمامين الصدر وشمس الدين،بعيداً عن الإرتباط الديني والعقائدي المرتبط بالمرجعية الدينية وليس بالإرتباط السياسي الشيعي الخارجي،لأنَّ المشكلة التي تمر وتعصف بمنطقتنا هي مقولة (سياستنا عين ديانتنا وكذلك العكس) من هنا ساد التساؤل عند الأنظمة العربية والإسلامية عن إعتقاد وإرتباط الشيعة في كل بلد عربي وإسلامي بأن ولائهم وهو ولاء تام لإيران أكثر من إنتمائهم وولائهم لأوطانهم، بإعتبار إن إيران إستطاعت ونجحت في إجتذابٍ تامٍ لشيعة العرب وهذا تمَّ من خلال الغياب التام عن حقهم في المشاركة وإعتبروا أنهم من الدرجة الثانية هذا من ناحية أولى، ومن ناحية أخرى إستطاعت إيران بإجتذابهم من الناحية الدينية والعقائدية،ولكن يبقى لصاحب هذا الرأي أنه ماذا عن شيعة الكويت والبحرين على نحو المثال لا الحصر، أنهم يشاركون في الكويت بتمثيل برلماني،ويمارسون الدور في المجال السياسي والديني،وفي البحرين يمثلون غالبية الشعب البحريني ولهم التمثيل في البرلمانات وحتى لهم أحزاب وتجمعات تشارك في اللعبة السياسية،بعد هذه الرؤية يبقى التفسير الوحيد أنَّ الشيعة العرب في أوطانهم ،وحزب الله الشيعي في لبنان هم عرب مثل السنة العرب ومثل الدروز العرب ومثل المسحيين العرب،وهنا المشكلة أنهم يتصرفون كمجوعات لا كأفراد،بل طوائف وعشائر وقبائل،لأننا نعيش في مجتمع طائفي بتركيبته ولا نعيش معنى المواطنة تحت سقف القانون، والأساس في حياتنا هي الهوية بما تمثِّل من طائفة وحزبٍ وقومٍ وعشيرةٍ.

ولهذا لبنان رغم كل المظاهر الديمقراطية والحداثة في الأكل واللباس وحسن اللسان،لكنه يبقى من أكثر النظم السياسية تخلفاً،وتبقى الدولة مجرَّد واجهة يستخدمها البعض لقضاء رغباتهم وحاجاتهم مع الداخل والخارج إذا ما لزم الأمر. من هنا نعيش أزمة في عمق المواطنة ولا نعترف بها كإطارٍ قانوني ينظِّم علاقتنا مع بعضنا البعض،بل للأسف نعيش أبناء طوائفنا وعشائرنا وقبائلنا وأحزابنا وعائلاتنا،ويبقى لبنان هو بلد طائفي تقليدي لم يُحكم إلاَّ بتقسيم السلطة بين الطوائف وهذا هو لبنان المأسوف عليه.