لا يوجد في الإسلام ما يسمَّى برجل دين وهذه التسمية مع تجاوز كونها تعبيراً علمانياً هي من مستحدثات العصر العباسي الأول على يد أبي يوسف قاضي القضاة أيام هارون الرشيد وأحد أهم تلامذة أبي حنيفة، ولهذا يُنقل أنه أول من أسَّس هذا الزي وفرضه على القضاة ومن ثَمَّ استحسنته الفرق والمذاهب الدينية بعد ذلك.. قبل هذا الإجراء والتدبير لم تعرف المجتمعات الإسلامية تمييزاً للعالم بالعلوم الدينية في لباسه من عامة الناس ، لأنَّ الذي يميزه عن غيره هو دينه وتقواه وليس عمامته اليقطينية وجُبَّته الحريرية ويظهر من الروايات التاريخية أنَّ أئمة أهل البيت (ع) بل والنبي (ص) نفسه لم يكونوا يتميزون بأزيائهم عن أزياء الناس عامة..

فلا يوجد في الإسلام طبقة رجال الدين بل هي سلطة دينية كهنوتية ،لكن المشكلة من جهة أخرى أنَّ العامة لا ينجذبون إلاَّ إلى أقوال من لبس العمامة والجُبَّة ويغفلون عن حقيقة أنه لا يوجد في الإسلام بشتى مذاهبه ما يدل على إشتراط لباس محدَّد ، لأنَّ العبرة والمقياس هو فهم الإسلام وحسن قراءته وبمقدار خوضه في العلوم الإسلامية يكون فقيهاً إذا قدر على إستنباط الأحكام من مصادرها على أنه يوجد من غير المعمَّمين من يمتلك فهماً وتخصصاً وثقافة بالإسلام أفضل كثيراً من عشرات المعمَّمين بل المئات والآلف منهم وقد خاطب النبي (ص) بني هاشم قائلاً "يا بني هاشم لا يأتيني الناس بالأعمال وتأتوني بالأنساب "..

وهذا الإتجاه يشكل عنصرا ودعما وإسنادا لمواقفهم الإجتماعية أكثر من أنه الحقيقة التي تكمن وراء هذا الموقع ، لقد صار مجرَّد لقب شيخ وسيِّد أو شريف قابلاً لأن يتحوَّل إلى كسب مادي كبير.. وفي جانب آخر سعت هذه الطبقة بالتقرُّب من ذوي السلطة والجاه والزعامة والمال أكثر من غيرهم الذين ما تقرَّب إليهم أحد عليه سمة العلم والدين إلاَّ إحتقروه وازدروه بينهم وبين أنفسهم وإن أظهروا له ما أظهروه لمآرب أخرى ، وأنهم يعلمون حق العلم بأنَّه كاذب قد إستغنى بهم عن الله تعالى ، وأنَّه لبس ثوب الدين ليأكل الدنيا بالدين..

فمن آثر الفانية على الباقية فهو من أهل الدنيا وإن كوَّر العمامة كيقطينة بلا بذور وأطلق اللحية ومن آثر الباقية فهو من أهل الدين وإن أنِفَ الإسراف في التمتع بالأدعية أو أعرض عن عدِّ حبات المسابح وفي خضم ذلك تمتلك هذه الطبقة عقلية تبريرية غريبة وعجيبة، فالتقرُّب من أهل الدنيا والسلطة والجاه والمال له تبريره في نظرهم، وعلى حد تعبير أحدهم نتقرَّب إليهم لعلمنا بقيمة وأهميَّة ما عندهم ولا يتقرَّبون إلينا لجهلهم بقيمة ما عندنا.

فلا قدسية لأحد في الإسلام وذلك مما يتناسب مع مفاهيمه ويتوافق تماماً مع المبادئ العامة لهذا الدين وهو التوحيد الخالص وللأخوَّة الإيمانية التي تجعل من المسلمين كأسنان المشط لأنهم من آدم وآدم من تراب وكما قال عيسى (ع) لأصحابه "يعملون للدنيا وأنتم ترزقون فيها بغير عمل ولا تعملون للآخرة ولا ترزقون فيها إلاَّ بالعمل...ويلكم علماء السوء".. وكما قال رسول الله (ص) "سيأتي في آخر الزمان علماء يُزهِّدون في الدنيا ولا يزهدون ، ويُرغِّبون في الآخرة ولا يرغبون ، وينهون عن الدخول على الولاة ولا ينتهون ، ويباعدون الفقراء ويقربون الأغنياء ، أولئك هم الجبَّارون أعداء الله"