أربعون عاماً وأنا واقفٌ أمام حائط الوطن، أعاين الداخلين في الوطن والخارجين على الوطن، يبكي القلب عندما يرى كيف يتراجع ويتدحرج الوطن نزولا وبسرعةٍ صاروخيةٍ، ويقف حائراً بين صدق النوايا وكذب الأفعال، ويتسائل هل هناك من صادقٍ مع نفسه،كيف يقبل أن ينهارالوطن على الجميع وعلى كافة الأصعدة الأمنية والإقتصادية والإجتماعية، وكيف يمكن أن يدَّعي كل واحدٍ أنه يريد بناء سقف الوطن لكي لا ننكشف ونقف في العراء؟..

ربما يتهمني بعضاً وهل أنت مطلع على النوايا والنفوس ؟أكتفي بما نشاهده يومياً من أحداثٍ ولم نجنِ منها سوى العبث والخراب والحرب والدمار والفقر ، وليس هناك من جواب إلاَّ سيطرة الدجل والغش والكذب علينا جميعاً،حتى أصبحنا نصدِّق كل أباطيلنا وإنتصاراتنا وأساليبنا الخدَّاعة، نريد بناء الوطن بالمجاملة فيما بيننا ،حتى ضمن بعضنا البعض نتقابل بالدجل والنفاق والغش ونخدع بعضنا بعضاً ، نتشارك بالكذب على بعضنا البعض، ولا أدري ما هو المقصود من حديث الإمام علي (ع) "كما تكونوا يُولَّى عليكم" أم هو العكس من ذلك "كما يُولَّى عليكم تكونون"..

حتى أصبحنا حاكمين ومحكومين، شعبٌ مداهنٌ وخدَّاعٌ وكذَّابٌ فكيف يبنى الوطن بهذه الأوصاف والعناوين، حتى أصبح الوطن عنوان "كذبة" كأنه لا وجود له إلاَّ في ملعب المستغلِّين نمجدهم ونمدحهم ونذكرهم بكل خير ونتصنَّع لهم بأننا نعيش في عزَّةٍ وكرامةٍ ، وننسى ونتناسى أنَّ رقابنا تحت الأرجل..

وننسى أننا بلا إستقرارٍ وأمانٍ ، وبلا كهرباءٍ وطبابةٍ وبلا فرص عمل، ولا مستقبل لنا ولأجيالنا ، ولا بصيص أملٍ سوى الهجرة أو الموت البطيئ.. وما زلنا مفعمين ومتخمين من إنتصارٍ إلى إنتصارٍ ، ومن عزٍّ إلى عزٍّ، ومدعوسين بجزمات أبناء الوطن ، وأرباب الطوائف، وزعماء الأحزاب ، وأصحاب السماحة والفضيلة والدولة، وما زالوا يخدعوننا بالعدالة ويغطُّوها بالدجل، من فريقي الآذاريين وما بينهما من الغوغائيين الناعقين الذين يسارعون إلى عقد اللقاءات والمؤتمرات والإجتماعات والندوات والحوارات ، ولا تدري متى يتصالحون ومتى يتخالفون، ثم يتكتفون ويتفرقون، ثم يتعاركون ويتهادنون، ثم إنكم لا تأبهون لشيئ سوى ألاعيبكم التي لا تهدف إلاَّ البقاء والإستمرار لمصالحكم ومصالح أحزابكم ولو على ظهر المطايا...لقد عطلتم البلد وأوقفتم العمل، وقطعتم الأوصال، وأوصلتمونا إلى اليأس والفقر والإحباط ، وها قد سارعتم وصنعتم بهذا الوطن الذي أراده أسيادكم وحولتموه إلى مزرعةٍ لكم ولإزلامكم، ثم تصرخون جميعاً "عشتم وعاش لبنان العظيم....."