منذ بدء الأحداث في عالمنا العربي كنت من المساهمين في الكتابة كحدٍ أدني في مساهمة الثورات العربية، وتحدَّث الكثير من المثقفين والمفكرين عن مستقبل الربيع العربي،وكثرت الأقلام عن قراءات ومشروع الربيع العربي،وعن وقراءات يسارية، أفصح ما فيها بياضها،لكن الأهم بالنسبة لنا في منطقتنا ومجتمعنا أن تكون القراءات عن مصير الإستبداد (بشقيه الديني- والسياسي)لأن الديمقراطية في شرقنا ضربٌ من الخيال،والإستبداد هو في طبائعنا وتراثنا وثقافتنا،فينبغي أن نقرأ هل مصير الإستبداد إلى الأبد،أم هناك إنحسارٌ له بشكلٍ من الأشكال؟ ومدى إستمراريته بكل تفريعاته ما زال موجوداً،لأن عالمنا العربي والإسلامي غارقاً في سكرة فورة الثورة والثروة،والمتعطشون للثورة والديمقراطية ظناً منهم أنها حقيقة،تماشياً مع الأجنبي، فاعتقدوا بقول الأنظمة الغربية أن تحقيق الديمقراطية تصبح حقيقة،ولكن ما رأيناه في منطقتنا ضربٌ من الوهم والخيال إن لم يكن سراباً، فالحديث عن الربيع العربي الرائج من المثقفين والمفكرين،أسهمت في ضخ المتعطشين للربيع العربي زاد الدم دماً والفقرُ فقراً والدمار دماراً، لذلك تناسوا في كتاباتهم تلك الفكرة المرتكزة حول تركيز السلطة في بؤرة المستبد،لأنه بيده كل السلطات وهو المالك لكل مقدرات الدولة،ولهذا من الخلل الإدعاء أنَّ العائق هو نفس الشخص المستبد في عالمنا العربي والإسلامي،سواء الراحل منهم أم الباقي والمستبقي منهم على رأس الدولة،فالخلل يكمن في ثقافتنا أن نحضر المستبد بشخصٍ واحدٍ مع عائلته وحاشيته، وهذا ما نسميه الخلل والعطب الذي لا يساعدنا على فهم مستقبل الربيع العربي،لأنَّ الإستبداد ليس محصوراً بشخصٍ،بل هو موزَّع بين الأحزاب والعائلات الحاكمة التي حكمت وتتحكَّم برقبة المجتمع،فتحوَّل الإستبداد من شخص الحاكم إلى المسؤول والقائد والمحافظ وشرطي القرية أو الحي، مع العلم إنَّ فكرة الإسلام قائمة على الثورة الفكرية في تاريخنا،ولكن نحن كمسلمين وعرب حوَّلنا ونجحنا في تطويع هذه الأفكار إلى ثقافة القبيلة أو العائلة أو الحزب والأهل والعشيرة،بعد تقديم هذه الفكرة ليس معنى هذا أنَّ الإستبداد هو خيارنا ومصيرنا،لكن الثورة والربيع العربي هما أمرٌ غير واضحٍ في بنيتنا وتراثنا وثقافتنا،لأنّه سيعود الواحد إلى قبيلته وحزبه وعشيرته وأهله، ولهذا فالدم العربي والإسلامي إلى مزيد، إن لم نعمل بجدية ونصلح هذه الفكرة،سواء في ندواتنا أم في كتاباتنا ومقالاتنا.