عندما تشتم رائحة السلطة والإفتاء والقضاء والمال تنسى نفسك وأمَّك وبنيك ومجتمعك وتشعر بأنَّ عمَّتك البيضاء والسوداء والعباءة التي تغطِّي بها قذارة الشيطان دكَّانك المفتوح ليلاً ونهاراً لكلِّ الزبائن...وتشعر أنَّك أقرب الأقرباء إلى صنم من أصنام مكَّة رغم الفارق الواضح بين صنم يأكله صاحبه عند الجوع وبين صنم يأكلك وهو متخمٌ وأنت تؤدِّي له عبادة الصباح والمساء..أشهد وأنا أكتب ما يدور حولي وأمامي وعن يميني وشمالي أنَّ أغلب هذا الصنف يتقن فنَّ التجارة مع الناس والله وأنَّ معظم الجهات والفئات بائعو جمر وخمر وسلاح للصيد الدَّاخلي..لم أتفاجأ وأنا أشاهد على الشَّاشة الصغيرة صورة ملوَّنة لواحد من هذا الصنف الملوَّن والذي يتقن فنَّ الألوان ويعرف جيداً كيف يتنقَّل ما بين الأصفر والأخضر وصباغ آخر لا يراه إلاَّ من كان بصره من حديد..إنَّها حكاية ملوَّنة ومن هذا الحكايات: جاء الشرطيُّ برجلين إلى مجلس القضاء وجحَّا عند القاضي في بعض شؤونه فعرض الشرطيُّ قصَّة الرجلين وقال:إنِّه وجد في الطريق بينهما أقذاراً ممنوعة.وادَّعى كلٌّ منهما أنَّ الآخر مطالبٌ بإزالتها لأنَّه هو الذي وضعها في عرض الطريق...هنا أراد القاضي أن يعبث بجحَّا ليسخر منه ويفضح دعواه لأنَّه كان يدَّعي العلم ويتصدَّى للإفتاء فأحال إليه القضيَّة وسأله أن يقضي فيها بالحقِّ بين الرجلين.قَبِل جحَّا تحدِّي القاضي وسأل الشرطيّ،هل كانت الأقذار أقرب إلى دار هذا أو ذاك؟فأجاب الشرطيُّ بأنَّها كانت في الوسط بين الدَّارين.وإذ ذاك قال جحَّا: إذن يُزيلها مولانا القاضي لأنَّها في الطريق العام ومولانا القاضي هو المسؤول عن المدينة..  إنَّ جحَّا نصف المعتوه ونصف الحكيم الذي يقول ما لا يعنيه ويعني ما يقوله إنِّه المواطن المؤمن بهويَّته وهوية الوطن بكل طوائفه وأجناسه  الذي تعلَّم من القرآن وسيرة الأحرار والتابعين المخلصين كنوزاً من الحكمة في شرع الجماعة واختيار الشعب وتعلَّم ايضاً أنَّه صاحب حقّ شرعي في حياة مُحرَّرة من الخوف والفقرومحرَّرة من قبضة المتزعَّم برقاب الناس لكنَّ السلطان والولي سلبه هذا الحقَّ بإسم الشرع نفسه.وأرغمه على العيش تحت عصا أزلامه وجنوده المرتزقة في قبضة الخوف والفقر معاً..إنَّه مواطنٌ عاديٌّ ساذجٌ يمتطي حماراً ولا يمتطي حصاناً لانَّ الحصان مطيةُ الجنديُّ الثائر المحترف والجنديُّ المحترف في خدمة السلطان والسلطة..مواطنٌ درويشٌ لأنَّ أهل الفطنة هم المثقَّفون والمثقَّفون في خدمة السلطان والسلطة..مواطنٌ على اطِّلاع وثيق في الشَّرع الجَماعي لكنَّه ليس قاضياً ولا مفتيِّاً لأنَّ القضاء والإفتاء في خدمة السلطان والسلطة وفي خدمة الأحزاب..مواطنٌ ليس على رأسه عمامةٌ ويعلم الحلال والحرام ولكنَّه ليس فقيهاً لانَّ الفقهاء في خدمة السلطان والسلطة..إنَّه مواطنٌ أعزل لا حول له ولا قوَّة لأنَّ السلطان جرَّده من كلِّ سلاح ولكنَّه يقاتل بقلبه وقلمه ولسانه ضدَّ السلطان المغتصب لحقوق الناس  وحرية الفرد الذي خلقه الله حرَّاً لأنَّه صاحب موقف اتخذه من فطرته النقيَّة السليمة التي فطره الله عليها وصاحب ورأي ورؤية يَعِدَانهُ بالنَّصر مهما طال المطاف وهذه حقيقة أثبتتها التجارب والحقائق وسيطرة الأحزاب المفروضة بالقوة والسلاح باسم الشرع الحنيف وباسم مصلحة الطائفة الناجية ..مواطنٌ قضيَّتُه واحدة وهي الوقوف مع كل مظلوم مهما كان عرقه ومذهبه ولكن مهمَّته دائماً لا يعترف بشرعيَّة السلطان والرئيس الذي وصل بقوة الحيلة والقتل والتعدي الذي يَعْثُ فساداً ولا يعترف بمن ينصِّبه من قضاة ومفتين وصغار الكتبة المأجورين الذين يضعون العمائم الكبيرة الحجم ويأتمرون بأوامره ويُضيِّعون حقوق الناس ويسترون رذائلهم بالمال الغير مشروع وبالمنصب المدفوع الأجر سلفاً ..مواطنٌ يؤمنُ بأنَّ الله تعالى أخذ على العلماء أن لا يُقَّارُّوا على كِظَّة ظالم ولا سَغَبِ مظلوم..إنَّه المواطن الذي يؤمنُ بقول عليّ (ع) فرُبَّ دائب مُضيَّع،ورُبَّ كادحٌ خاسر،وقد أصبحتم في زمن لا يزدادُ الخيرُ فيه إلاَّ إدباراً،والشَّرُ فيه إلاَّ إقبالاً،والشيطان في هلاك الناس إلاَّ طمعاً،إضرب بطرفك حيث شئت من الناس هل تبصر إلاَّ فقيراً يُكابدُ فقراً،أو غنيَّاً بدَّل نعمة الله كفراً،أو بخيلاً إتَّخذ البُخل بحقّ الله وفراً،أين خيارُكم وصلحاؤكم وأحرارُكم وسُمحاؤكم وأين المُتورِّعون في مكاسبهم والمتنزِّهون في مذاهبهم..