دعونا نتخيَّل بأنَّ صراعاً يجري بين ديناصورٍ ونحلةٍ،فالديناصور يبلغ حجمه ناطحة سحابٍ،وهو مغرورٌ بقوته وبحجمه،ولأنه كذلك فهو مهووسً بعضلاته،ويأكل الأخضر واليابس،وليس أمامه حواجز وموانع توقفه عند حدٍّ،ولكن أين مخُّه من حجمه؟فحجم مخه أقل من واحد على بليون من جسده،فهو يسير في الأرض ويزلزلها تحت قدميه..وأما النحلة فهي صغيرةٌ ولكنها شقيَّة وذكية،وتملك قرون إستشعارٍ وسلاحُ طنينٍ، لتعرف طريقها في الأرض والماء والنار والهواء،وتدرك وتعي المعركة جيداً وبهدوءٍ ورويَّةٍ،وتدرك قوة الديناصور وتعرف كيف تستغل قوته عليه، فيقع الصراع بينهما،فتطًن في أذنه فينطلق غضباً لينتفض ويحطِّم كل شيءٍ محاولاً أن ينقضَّ عليها،فتزوغ منه وتبقى سليمة وهي ترقص،ومن ثَمَّ تعاود بالطنطنة فيضرب الديناصور ضرباً عشوائياً ليقبض عليها،فتستغل النحلة طنطنتها وتجرُّه لجذبه في حالة هيجانه إلى هوة هائلة بين جبلين ليسقط فيها وتتساقط عليه أحجاراً وتراباً، وتخرج النحلة الشقية بفعلتها منتصرة وهي تحلق في الهواء..هذه هي مقاييس الصراع في الشرق الأوسط بين إيران وحلفائها وأحزابها،وبين أمريكا وإدارتها، لأنَّ الإدارة الأمريكية تتعامل مع شعوب العالم في المنطقة بقوتها وحجمها،وكأنها لا تدرك ما تحت قدميها، فالديناصور الذي ظلَّ متحكماً في العالم على جميع الأصعدة إنتهى يوماً من الأيام لأنه لا يفكر إلا بسلطة القوة، وهكذا تتعامل الديناصورات الأمريكية والإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط وخصوصاً عند المسلمين، وتريد أن تقضي على تاريخهم باعتبار أنَّ ثقافة التاريخ عند هذه القوة تعني شيئاً واحداً وهو أنَّ ما فات قد مات..وتتناسى علاقة المسلمين بثقافة تاريخهم،لأن مشاكلهم بالخصوص لها علاقة بجذورهم التاريخية والدينية والمذهبية والطائفية وبأحزابهم الإسلامية، والشرق هو مهبط الأديان السماوية،وهو الآن مخزن الطاقة النفطية والبترولية البشرية،وهذا هو السبب للحروب والصراعات في المنطقة،هنا جاءت النحلة الإيرانية وعرفت طبيعة الأرض والتاريخ والثقافة، وبالنسبة لها يُعتبر تاريخاً مقدَّساً بشكلٍ عام،وبالأخص على المستوى التاريخ الشيعي، وتعتبره مقدساً بطقوسه،وتمارسه في كل مكانٍ وزمانٍ عبر ما أنتجته من وسائل دينيةٍ وثقافيةٍ وعقائديةٍ،وبقي الديناصور الأمريكي يكرِّر بطشه وقوته في الشرق، وكأنه لا يعي ما حلَّ بالديناصور السوفياتي في مقابر وجبال وكهوف أفغانستان، التي هي الآن مصدر القاعدة المتحصِّنة في جبالها والمختبئة في أوديتها وكهوفها، التي تواجه القوة الأمريكية فكرياً وعقائدياً المرتبطتين بتاريخها الديني والعقائدي،محاولاً الديناصور الأمريكي أن يقضي عليها بقوته،ويطاردها،ظناً منه القضاء على الأفكار الدينية والتاريخية،وهذا ما فعله الديناصور الأمريكي في العراق كنموذجٍ،وإلى جانبه قفير من النحل الإيراني المنتشر بطنطنته والملحِّق في سماء الشرق، في ظل التخبط العربي الذي لا يعي معنى جذوره التاريخي والعربي