تكاد الصورة تختلط على المراقب من بعيد، حتى إذا ما أعاد النظر كرتين ينقلب إليه البصر خاسئاً وهو حسير، فللوهلة الأولى يكاد يكون موقف رئيس حزب القوات اللبنانية متشابهاً مع موقف النائب ميشال عون الرافضان معاً لمبادرة سعد الحريري بتسمية فرنجية كمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية الشاغر منذ حوالي العام ونصف العام .

فمن حيث المبدأ، وإن كان يجوز تصنيف موقف الرجلين على أنّه موقف متطابق بالمعنى اللغوي أو بالمعنى الظاهري فيمكن القول كما هو شائع بمعظم وسائل الإعلام وبالخصوص عبر الإعلام الممانع بأنّ مبادرة الحريري لم يوافق عليها الأقطاب المسيحيون ويُدرج في هذا السياق اسم سمير جعجع مع اسم ميشال عون، فتنتج عن ذلك شبهة أعتقد أنّها عن سابق تصور وتصميم  حتى إذا ما نظرنا إلى القضية من منظار سياسي بحت لوجدنا أنّ بين " الرفضين " مسافة تكاد من خلالها لا تستطيع الجمع معها بينهما، وعليه فمن الإجحاف بمكان وضعهما في مساحة واحدة  فإذا كان رفض سمير جعجع لتسمية الحريري مفهوماً إلى حد كبير بلحاظ أنّ المسميِ إنّما هو حليفه السياسي الأوّل وأنّ المسمىَ  هو خصمه السياسي الأول، بالخصوص إذا ما أخذنا بعين الإعتبار أن سمير جعجع كما قيل، لم يكن على دراية مسبقة بالموضوع، وبالتالي لم يكن على علم بالحيثيات ولا بالظروف المحيطة بالقضية،  وفي هذا السياق جاءت ردة فعل معراب بشكل هو أقرب ما يكون إلى الطبيعي جداً ، بغض النظر عن ما رافق ردة الفعل هذه من مواقف انفعالية عبرت عنها القواعد الحزبية لكلا الطرفين، ليبقى القول بأن موقف سمير جعجع لم يخرج عن الإطار السياسي المبرر، ولم يخرج موقف الرجل عن حقه المشروع في مقاربة المسألة بخلفيتها السياسية ، فلا المرشح سليمان فرنجية القادم من حلف الخصوم يمثل تطلعات القوات، إن لم نقل أنّه يشكل بوصوله إلى قصر بعبدا هزيمة سياسية واضحة وانتصاراً ساحقاً للمحور الآخر، وكذلك الأمر بالسياسة أيضاً فلا يحق بأيّ وجه من الوجوه تفرّد سعد الحريري وإبرام صفقة سياسية بغض النظر عن صحتها أو خطئها  من دون الرجوع ووضع الحلفاء السياسيين بالأجواء .

في المحصلة وبالقراءة السياسية لرفض سمير جعجع لتسمية فرنجية تأتي بالسياق السياسي المحض، وبالتالي فإنّ موقف سمير جعجع لا يمكن إلاّ اعتباره موقفاً منسجماً مع طروحات القوات اللبنانية ولا يخرج قيد أنملة عن ردة الفعل الطبيعية جداً ، بل أكثر من ذلك فإنّ عدم اعتراض سمير جعجع وقبوله بتسمية فرنجية بالصورة التي حصلت بها  هو الموقف المستغرب والمدان والغير طبيعي وبالتالي فإنّ من حق سمير جعجع أن يقدم على ما أقدم عليه بوصفه رجل سياسة .

وأما بالمقلب الآخر، فإنّ رفض ميشال عون لتسمية فرنجية، فلا ينم ولا ينبئ ولا يخبر ولا علاقة له البتة بعالم السياسة، ففرنجية هو الحليف الأقرب، وتسميته يجب أن يعتبر انتصاراً للمشروع العوني "حال وجوده"، وهو بالسياسة يعتبر تنازلاً يكاد يصل إلى حد الهزيمة للمشروع الآخر، وعليه فلو أنّ ميشال عون يقارب المسألة بخلفية سياسية كما هو المفروض فهذا يعني أن لا مجال إلا لتلقف هذه المبادرة والتمسك بها والسير نحوها بدون تردد، أما وأن المسألة بالنسبة لميشال عون هي محض شخصية وهي لا تخرج عن كون الرئاسة طموح فردي لا يمت الى السياسة ولا إلى المشروع السياسي أو الخيارات السياسية بأيّة صلة فإن الرفض هنا هو رفض مزموم وينم عن شخصانية لا تقيم لمصلحة البلد ولا لمصلحة الحلفاء أي وزن   وبناءً على ما تقدم فإنّ من الإجحاف بمكان اعتبار من يرفض بخلفية سياسية وبإنسجام مع طروحاته الرؤيوية كمن يرفض بخلفية الأنا والأنانية ، وعليه فلا يجوز الجمع بين الرفضين لأنّه باختصار في هذا المجال فإنّه يحق لجعجع ما لا يحق لعون .