مرة جديدة يقف جمهور حزب الله واتباعه، مصدومين ومدهوشين، فلم يكاد حتى اللحظة يستفيق قسم لا بأس به هذا الجمهور المخدوع  حين أطل أمينه العام على الملأ في 21 تشرين 2019 ، وأعلن حربه الشعواء على الناس المنتفضة ضد مافيا السلطة ولصوصها في 17 تشرين 2019، ولم يخجل من مجاهرته يومها بحمايته للسلطة والدفاع عنها، ودعوة جماهير الحزب للخروج من الشارع بعد أن كانت تلك الجماهير وبشكل عفوي قد أعلنت انضمامها وانحيازها الطبيعي للناس الموجوعة.
 
قبل خروج السيد وإعلانه عن موقفه هذا، كانت بيئة الحزب بمجملها تنتظر موقفا مغايرا تماما، موقفا ينسجم مع شعارات الحزب وأدبياته وما يدعيه من رزمة قيمية تنطلق من " طلب الاصلاح "، ووصولا الى " نصرة المستضعفين في الارض "، مرورا طبعا بشعار " الفاسد كالعميل " وهو الذي لطالما دعى الناس للخروج والتعبير عن رفضها وانه سيكون الى جانبها.... فكانت الصدمة الكبرى بادية بوضوح يومذاك على وجوه البيئة والتي استمرت لفترة طويلة الى ان بددتها أو خففت من وطأتها عند كثيرين منهم،  الدعاية الحزبية ووابل من الشائعات والاكاذيب والاتهامات وبالطبع شعار " المؤامرة " كان هو بيرق التضليل ولا يزال .
 
هذه الأيام ايضا، فيها الكثير من أوجه الشبه مع تلك التي تبعت 17 تشرين، فبعد الحدث التاريخي الاهم والاكبر منذ عقود طويلة، وتوقيع اتفاق بكين بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية الايرانية ، والذي لطالما دعونا اليه، تنفس اللبنانيون عموما والبيئة الشيعية خصوصا الصعداء، وانتظروا مرة جديدة أن يعتبر الحزب هذا الاتفاق الميمون فرصة تاريخية سينتهزها الحزب حتما للخروج من التزاماته السياسية التي تفرضها الصراعات الكبرى وتبرر اصطفاف الحزب الى جانب عتات الفساد والنهب، وبأن الحزب لم يعد مضطرا لمجارات حلفاء السوء ودعم اللصوص والفاسدين بحجة " الصراع الاكبر " في المنطقة !!! 
 
ومرة جديدة، ومع اصرار قيادة الحزب على دعم ترشيح ابن المنظومة البار وأحد أركانها سليمان فرنجية، ضاربة هذه القيادة بعرض الحائط كل المتغيرات وما اوصلتنا اليه تلك العصابة من فقر وعوز وتفسخ في كل مرافق الدولة، الصحية والامنية والتعليمية والسياسية وعلى مختلف المجالات، هذه البيئة المسكينة التي توقعت ان يتلقف الحزب التداعيات الايجابية ( كما وعد السيد ) للاتفاق، ويذهب الى مرشح جديد ينسجم مع طبيعة المرحلة  ويساهم برفع المأساة عن كاهل اللبنانيين ، ولا يستمر بمرشح ما قبل الاتفاق يعلم الجميع انه لن  يأخذنا الا الى جهنم جديدة ، لتصاب هذه البيئة بالخيبة والصدمة مرة اخرى.
 
فاذا كانت مواقف الحزب وتحالفاته مع السلطة الفاسدة قبل الاتفاق، يمكن أن يلقى بتبعاتها على السياسة الايرانية والتوجهات الايرانية، فان بعد اتفاق بكين صار واضحا ان ايران قد تكون بريئة من تفاصيله، فاذا كانت ايران تهتم بان يكون لها نفوذ في لبنان، فان الوسيلة والطريقة لتحقيق ذلك هو متروك لقيادة الحزب نفسه، وعليه نستطيع القول ان الاستمرار في دعم فرنجية ورفض " التوافق اللبناني " الذي اكد عليه حسين امير عبداللهيان قد فضح حزب الله وفضح سلوكه.