الأديان والشَّرائع السماويَّة والمبشِّرون والمرسلون كلهم يدعون الناس ويحضُّون الناس على حبِّ الوطن ، لأنَّه الجامع المشترك والرَّابط الطبيعي بينهم يعيش بعضهم مع بعضٍ على أرضٍ واحدة مهما تباين بعضهم عن بعض بالدِّين والعرق..ومعنى حبُّ الإنسان لوطنه هو أن يعمل يإخلاص على توطيد هذه الصِّلة والعلاقة، ويفخر ويعتزُّ بكل مظهر يرفع من شأن الوطن ويتعاون مع كل من يريد الخير لوطنه.. لنقف من قول النبي محمد(ص) وهو يناجي ربه "اللهم ربَّنا وربَّ كلِّ شيء  أنا شهيدٌ بأنَّ العباد كلُّهم إخوة" يعني ذلك أنَّهم شركاء في السَّرَّاء والضَّرَّاء وشركاء في الحكم وفي تحمُّل المسؤوليَّات وفي الحرِّية والإستقلال وتهيئة أسباب الحياة وتكافؤ الفرص للجميع..فكما أنَّ الأخوة يتقاسمون تركة مورِّثهم ويتحمَّلون ديونهم بالسويَّة كذلك العباد أسودهم وأبيضهم كلُّهم أُخوة..من هذا المبدأ تنبع الرحمة والعدالة والحريَّة والإستقلال وحبُّ الوطن، بل أكثر من ذلك فقد بلغ من إهتمام النبي محمد (ص) بالمجتمع أنَّه أعدَّ كل خدمة إجتماعيَّة لوناً من ألوان العبادة..بل إنَّ حبَّ الوطن وخدمة الناس هي فوق الشَّعائر الدِّينيَّة بقوله : "صلاحُ ذات البين أفضل من عامَّة الصلاة والصيام"... وما روي عن ابن عبدالله أنَّه قال: كنَّا مع النبي(ص) في سفرٍ فمنَّا الصائم ومنَّا المفطر فنزلنا منزلاً في يومٍ حارٍّ أكثرنا ظلاًّ صاحب الكساء، ومنَّا من يتَّقي الشَّمس بيديه فسقط الصَّوَّام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الرِّكاب..فقال النبي(ص):ذهب المفطرون اليوم بالأجر كلِّه....أليست في هذه الحادثة دلالة واضحة وصريحة على أنَّ النبي(ص) لم يكن ليجيز إقامة الفرائض الدِّينيَّة على حساب المجتمع والمعاش..فما قيمة الفريضة الدِّينيَّة إذا كانت عائقاً دون حبِّ الوطن ودون خدمة الناس..أليس في قوله: من رأى منكم منكراً فليُغيِّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه وهوأضعف الإيمان...أليس فيه إشارةٌ صريحة إلى الأخذ بما يفيد المجتمع وينفع الناس وإلى المسؤوليَّة التي تطال المجتمع والفرد في رفع كل ما يسيء...وهنالك أحاديث تقطع بأنَّ فضل من يخدم الناس بطريق من الطرق هو أكثر بكثير من فضل العابد الزّاهد المصلِّي والمتنسِّك في معبده ومحرابه..فإذا كان العالم يأتي المجتمع بالخير فلا شكَّ أنّه يُفضّل على مليون عابد بنظر النبي(ص) بقوله" فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب"...فمن هنا وما أفهمه من مواقف العالم الحريص على حبِّ بلده ووطنه وقضايا مجتمعه والحريص على لقمة عيشها وتأمين مستقبلهم الحُجَّة السيد علي الأمين الذي نفيَ من بيته وأهله ومحبِّيه.. أنَّ لبنان لا يقوم إلاَّ بالمؤسَّسات التي تحفظ حقوق الجميع، لأنَّ لبنان بلد الطَّوائف فيه مساجد وكنائس من يدخل المسجد لا يدخل الكنيسة ومن يدخل الكنيسة لا يدخل المسجد، ولكنَّ جميع اللبنانيِّين كافَّة يسيرون على طريقٍ واحد يدخلون مؤسَّسات ومسارح ومدارس واحدة..إذاً ليس المهمُّ أن يأتي الوزير على أساس طائفيٍّ لأنَّ الوزارة لا طائفيَّة فيها وليس المُحال أن يكون في البلد الواحد مسجد للمسلمين وكنيسة للمسيحيِّين ولكنَّ المُحال أن يكون لكلِّ طائفة طريق خاص ومسرح خاص وسوق خاص..فالتفريق والتقسيم بين أبناء البلد الواحد تبعاً للأديان وللمذاهب أمرٌ يأباه العقل والعلم والدِّين..نعم قد تخاف طائفة على حقِّها من الإجحاف ولكنَّ هذا الخوف ينتهي ويتلاشى إذا قضينا على الخلافات والأوضاع القديمة..فحقوق الطوائف تحفظ بالعدل والمساواة بين المواطنين جميعاً لا فضل لقريبٍ أو بعيدٍ إلاَّ بالكفاءة والنَّزاهة وحبِّه لوطنه، تحفظ الحقوق بالدِّيمقراطيِّة الصحيحة فيُترك لكلِّ فرد حريَّة الرأي والتعبير.