إتفق المسلمون أنَّ أصل كلمة التعرب بعد الهجرة ، هو أن يعود المسلم إلى البادية، ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجراً ،والسبب في ذلك رواية في تحريم ذلك وخشية الرجوع عن الدين، واعتبروا كل هجرة من بلد الإسلام إلى غيره ينقص فيها الدين، بنص الحديث المروي عن النبي محمد(ص) " لا ترجعوا بعدي كفَّاراً يأخذ بعضكم رقاب بعض" لكي لا يعود المسلمون إلى جاهليتهم ...

وما زالت الأصولية الشيعية والسنية تصرُّ على البحث عن النموذج الأعلى لكل قضيةٍ تواجه البشرية في المجتمعات المدنية والحديثة ، في طيَّات النصوص وثنايا التراث، ظناً منهم أنَّ الدين الإسلامي هو أفضل الأديان ، كون النبي محمد (ص) هو أفضل الأنبياء وخاتم الرسل،ويستدعي أن يكون المجتمع الإسلامي هو النموذج الأسمى والمثل الأعلى ، وأنه أفضل المجتمعات على طول التاريخ البشري ، حتى قيام يوم الدين ...

وبالتالي يتمُّ رفض كل نموذج حضاري إنساني ، تعزِّزه التجربة البشرية، لأنه لا يكون النموذج الأعلى للدين الأرقى ، ولتعاليم الشريعة الإسلامية ، هذه من جهة .. ومن جهة أخرى تعتبر الأصولية الإسلامية بشقيها المذهبي ، أنَّ الإنسان يتمتع بغرائز وشهوات وميول نفسية ، فيجب عليه أن يلتزم بكل ما ورد من نصوص وأحكام وتعاليم إسلامية في دائرة حياته السياسية والإجتماعية والأخلاقية، ورفض لكل الأنظمة الوضعية التي لم تبدع للإنسانية أفضل مما أبدعته الشريعة الإسلامية...

وإتفقت الأصولية الشيعية والسنية على قاعدة "يَحرُمُ التَّعرُّب بعد الهجرة" لأنَّ عام الهجرة تعتبرها الأصولية الإسلامية ، هي التحوُّل الإيجابي من حياة البداوة والجاهلية والكفر، إلى الحياة المتكاملة والملتزمة بتعاليم السماء ..

كما حصل بالنسبة إلى المسلمين الأوائل عندما أسلموا وهاجروا إلى المدينة حيث أقام الرسول(ص) كما يقولون "دولة الإسلام"..

أما معنى "التعرب بعد الهجرة" في زماننا الحاضر هو إختيار المسلم بلداً من بلاد الكفر لأن يقيم فيها ويسكن من أجل الحياة ، ولم يتمكن من إقامة الفرائض الدينية في حينها يحرم عليه السفر ويكون مرتكباً للكبائر والفواحش والمنكرات ..

بعد هذا التقديم فلستُ مادحاً لبلاد الكفر بقدر ما نبكي محمداً وهجرته؟ مات محمداً ،وماتت صحابته وهجرته؟ وتفرَّقت أمته إلى قبائل وعشائر وأحزاب؟وما زالت أمته تتنازع على رضوان ربها ، في الوقت الذي عاش فيها الكفر في بلاد الغرب تصنع وتبتكر صورة الله في إبداعها وإحترامها..!

يحرم السفر إلى بلاد الشرك لأنك تشعر بكرامتك وإنسانيتك وحريتك ، ويجب عليك البقاء في بلاد الرافدين لأنك تعيش نكرة؟ وتموت نكرة؟ يحرم السفر إلى بلاد الكفر لأنك ترى شعباً يحاسب إلهه وحاكمه ، ويجب عليك البقاء في بلاد العزة والكرامة أن تدعو لإلهك وحاكمك بطول العمر لأنَّ الله بعثه لك نعمة من نعمة ، فما عليك إلاَّ الدعاء له بطول العمر وبكثرة النسل ...

يحرم السفر إلى بلاد الكفر لأنك تعرف معنى الديمقراطية والمساواة والتقدم والتعايش والسلام ، فيجب عليك ألاَّ تعرف هذه الموبقات لكي تحافظ على دينك ، بل يجب عليك البقاء في بلاد الإسلام لتعلن الحرية والديمقراطية ، لأنها مستوردة من بلاد الكفر والإمبريالية والرجعية والتخلف والعميلة ، والخير كل الخير في تركها والإبتعاد عنها والإلتحاق بالجهاد ضد بعضنا البعض ، لكي لا نقع في المحظور ونغضب الله ... حولنا هجرة النبي (ص) إلى أحلام وكوابيس ، فلا نعرف إلا القتل والحرب والدم والتهجير كل ذلك في سبيل الله تعالى، أيها الغرب الكافر نبئنا أين هو الإسلام؟

وأين مكانه؟ أفي الحانات والمواخير التي يسفك فيها المسلمون وينتهك حرمات دينهم وهجرتهم، بلا خجل كأنما هم يشربون الماء الزلال؟..نبئنا في حوانيت الباعة حيث الغش الفاضح والقول الكاذب، والإيمان الباطل ، أم في مجالس الشيوخ والزعماء والسادة والأحكام والقضاء ، أم في دور العبادة والمساجد والمعاهد والحوزات، والله أنك أيها الكفر لتعلم ذلك وما ربك بغافل عما تفعل- صدق الله العظيم-....