الليل أسود ، والشعر أسود ، وأغلب العيون سوداء ، ملابسنا سوداء ، حتى الوطن بات أسوداً ، وأرضه سوداء ، والقبور سوداء لا يصلها نورٌ ولا هواءٌ ، العشق في البلد هو أسود ، والحب أسود ، قد لا تصدِّق فيما لو قلنا السماء سوداء،والنهار فيها ما هو سوى ليلٍ مقلوب على ظهره ، حتى العرب تشاءمت قديماً وما زالت تتشائم حديثاً من (غراب البين الأسود) الذي ينعق نعيقاً بين الأطلال والبيوت والشوارع والطرقات والأزقة ، معلناً الفراق إلى المجهول والرحيل والقطيعة الأبدية...

حتى اعتدنا وتربينا على مقولة ورثناها عن أجدادنا وآبائنا (خبِّئ قرشك الأبيض ليومك الأسود) ، والقرآن الكريم وصف المخلوقات بألوانٍ مختلفةٍ وغرابيب سود ، فأصبح التشاؤم من الأسود بين البشر أمراً طبيعياً ، فكانت المعتقدات قديماً وربما حديثاً تعتقد أن الطبيب الذاهب لعيادة مريض ، فيرى كلباً أسوداً، فيردد (الله يستر) المريض سيموت ، وحتى لو رأى كلباً أحمراً فيردد بأنَّ المريض سيعتلَّ طويلاً وسيموت ..

وما نراه اليوم في مجتمعاتنا أنها تتشاءم من اللون الأسود وتعتبره شؤم ، حتى الذي يرتدي لباساً أسوداً يُقال له (خير إن شاء الله) ، وهذا ما نعيشه اليوم في لبنان عند الطبقة السياسية السوداء لا ماء ولا كهرباء ولا فرص عمل ولا إستقرار ولا أمن ، بل ما نشاهده منهم جميعاً هي أمورٌ سوداء حيث السرقة والنهب والفوضى والبذاءة ما عدا ربطة العنق ، من إتهامات وسباب وشتم من الأسود والأعور والأحمر والأصفر والأزرق بمختلف الألوان سوى الأبيض ، حتى يصح أن يطلق على النواب والوزراء والرؤساء( غراب البين الأسود) .

لم تكتفِ هذه الطبقة من أن يعيش الشعب بظلامٍ حالكٍ ودامسٍ وغرابيب سودٍ، بل زادت علينا ثقافة جديدة وهي ثقافة (العواء)..من شتمٍ وسبٍ وصراخٍ وبحٍ للحناجر، فزاد الصراخ صراخاً والرذيلة رذيلة....

هنا لا نكتفي باللوم على أيامنا السوداء التي تمرُّ علينا من أحداثٍ وتداعياتٍ لمواقفٍ اتخذوها هزواً ، بقدر ما يكون اللوم على على الطبقة السياسية والدينية الحاكمة التي ألبستنا أثواباً سوداء وأكفاناً سوداء، وتهجيراً لشبابنا وما زالوا يلومون بعضهم بعضاً ولكن بثقافةٍ  عوائيةٍ سوداويةٍ، وهذه الرؤية الخانعة للأمور لم تأت من فراغٍ ، إنما هي نتاج هذه الطبقة الحاكمة من الأحزاب الدينية والسياسية، الناهبة لثروات البلد وشعبه....

هنا سأذهب وأترككم لألبس قبعتي السوداء وأنطلق ،فماذا أنتم فاعلون...