كما أنَّ العقل الديني الفقهي يقسِّم الإنسان إلى كافرٍ وملحدٍ ومشركٍ ومرتدٍ ونجسٍ ومخالفٍ ، لمجرَّد أنه مختلف عنهم وليس واحداً من هذا القطيع.
 هذا العقل هو نفسه في السياسة قسَّم الإنسان إلى خائنٍ وعميلٍ ومستأجرٍ ومتآمرٍ إلى جهاتٍ أجنبيةٍ معاديةٍ لمصير الأمة.
لذلك كل مختلف مع الساسة هو تماماً بوجه من الوجوه كالمختلف مع الفهم الديني والمختلف مع رجل الدِّين، الذي يرى ذاته مالكاً للحقيقة المطلقة بما هي حقيقة مقدَّسة ، وهو المخوَّل الوحيد بوكالة سماوية حصرية للشرح والتفسير والتأويل والحق المبين..فهذا العقل هو ذاته الذي يصدر الأحكام بغضِّ النظر عن الزيِّ، سواء كان الزيُّ جُبَّة وعمامة أم كان ربطة عنق وبيجامة، حتى صار المختلف دينياً أو سياسياً، يكون منبوذاً ومشكوكاً في دينه ومعتقده، ومحارباً وعدواً وعميلاً ومشكوكاً في وطنيته، أينما كان وفي أي أرض حلّ.
هذا هو الحال في الثقافة العربية والإسلامية ،لأنَّ الإختلاف في واقعنا هو جسمٌ غريبٌ في ثقافتنا الدينية والسياسية، وهذا الجسم يستدعي الإستنفاروالتخوين والعمالة والتحريم ومن ثمَّ المحاكمة والعقاب والتجريم، لأنَّ جمهور هذا العقل يُحرِّم الخروج عنهم والخارج عنهم هو على حدِّ الشِّرك بالله، وأما الواقع والتجربة التاريخية فليس لها أيُّ محلٍّ من الإعراب عند الأعراب.
 وأيضاً التجربة الحالية التي تمرُّ في بلادنا العربية والإسلامية ليس لها أيُّ قيمةٍ لأنهم كالأنعام بل هم أضلُّ سبيلاً.
وهذا ما يحكم واقعنا اللبناني بشكلٍ عامٍ ،وخصوصاً في الوسط الشيعي،فإما ان تتماهى مع الشائع والسائد، متناغماً أم غير متناغمٍ،المهم هو الظاهر.
أما في المستور والمكنون فلا أحدٌ يأبه لذلك ولا أحدٌ معنيٌ به، ما دام الله وحده هو الذي يحاسب على الدخائل والنوايا هكذا جرت العادة غير الحميدة.
هذا ما نراه ونشاهده ونلمسه عند جمهور هذا العقل فلا أحدٌ يأبه لذلك في الوقت الذي يملكون فيه المال والسلطة والزعامة وحبّ الدنيا وحب النساء، بينما المختلف عنهم في الفهم الديني والفهم السياسي ولا حول له ولا قوة ،هو في خانة الخروج عن المعتقد والخروج عن مصلحة الطائفة..وهذا ما ترجمته خطاباتهم وثقافاتهم لكل من يختلف عنهم بأنهم أتباع مالٍ وسلطةٍ وزعامةٍ وأنهم أتباع دنيا وحب نساءٍ.
لهذا يشقى وسيشقى المختلف بوعيه وبحياته معاً ويتعرَّض لضغوطٍ هي أكبر منه ، كل ذلك لأنه إختار الصدق مع عقله ونفسه وفكره أمام منظمونة لا تتوسَّل إلاَّ بالمقدسات والمطلقات التي لا تكاد فيها لحرية فردٍ أو لحقوق الإنسان لأنَّ المقدَّس يلغي الحرية والفكر والعقل، ويالتالي فالعقل المُلغى لا يصل غلى ما يحتاجه البشر بوصفهم بشراً يعيشون على الأرض.