حدَّثني صاحبي في ليلة من ليالي محرَّم الحرام أنَّه دخل عنوةً إلى مجلس زعيم الطائفة حتى لا ينقطع عنه معاشه الشهري بصحبه معمَّمون مشابهون لحاله وأحواله..وسمع هناك كلاماً خارج المألوف لرجل دنيا ودين تفوح من عباءته روائح العملات الصعبة من ينّ ياباني ودولار أميركي وما بينهما من ذهب وفضَّة..ومن فمه مدحٌ رخيص لصاحب المجلس الذي صوَّره بصورة تتجاوز صورة الحسين(ع) وجعل منه أحد الآلهة الجديدة لقوم يعكفون على أصنام لهم تسمَّى أحزاب الطَّائفة المُشيِّعة لجنازة الحسين(ع).. وقال صاحبي الذي لا يكذب إلاَّ مرَّةً في الشهر إنَّ الشيخ خطيب الليلة العاشورائيَّة في صحن الطَّائفة قال كلاماً في الفلسفة تعجز عن إدراكه عقول الحاضرين والمعاجم المختصَّة..وقال شيخ المجلس والمنصب "إنَّ العصرانية لا تختلف عن الحضرانية وأنَّ الحضرانية وعاء العصرانية في خطِّ الخط ووعاء الوعاء في حركة منطلقة ينطلق منها المنطلق عندما يعيش الإسلام كروح تسبح في الأنفاس والآفاق" رحم الله من أسَّس خطابة غير محبوسة ومفتوحة في فضاء حركي لإسلام سياسي منطلق من زواريب الدِّين..فالعقل نعمة لأنَّ العقل نورٌ يكشف للإنسان مجاهل الطريق ومسالكها يقول الإمام الحسين(ع) "طول التجارب زيادة في العقل" فهذه حقيقة يؤمن بها من قرأ الأحداث والتجارب وما تعترف به القيم الأخلاقية وتقرُّه الموازين الدينيَّة التي تخدم رقيُّ الإنسان لا الشهوات والمناصب والمنافع الشخصانيَّة إنَّ عاشوراء هي في إغاثة الملهوف ونصرة المظلوم والوقوف ضد الظالم والقاتل وهي تقوية الضعيف وثورةٌ على الأقوياء الذين يثبون على الناس ويستطيلون عليهم بإسم الدين هي الصدق مع النفس والقول والعدل في الحكم...إن مفهوم الإسلام العاشورائي هو ليس علماً تعرف به الأفلاك والكواكب ولا فلسفة ونظريَّات ولا دعوة قام بها مصلح وثار من أجلها بطلٌ غيورٌ كي يقال أنها تصلح لزمان ولا تصلح لكل زمان وأنَّها تقدميَّة بالنسبة إلى عهده ورجعيَّة بالقياس إلى ما نحن فيه..إنَّ الإسلام مصباح هداية تنار به سبل الحياة وإنَّه وحيٌ من السماء لا ينطلق عن الهوى والجهل هو إيمانٌ يطهِّر القلوب والنفوس من كل ما يشينها هو إيمانٌ يحيلها إلى صرخات كصرخات الحسين(ع) لاهبة ضد المساوئ والفواحش لاهبة ضدَّ الجهل والفقر وضد الترف والإسراف والإستغلال.