سؤالٌ يطرحه الفتنويون أنفسهم على السَّاحة السِّياسيَّة المنقسمة في لبنان بين جِهَوِيتين أذاريتين وكلُّ مُفتن طَّائفي يُحمِّل المسؤولية لِمُفتن طَّائفي آخر...السُّؤال المولود لبنانياً من يُعطيه شرعيَّة الولادة ؟ حتى أنَّ التبنِّي له مفقود من قِبَل اللبنانيين على إختلاف الهويَّات الآذاريَّة ، ربما يكون السُّؤال إسرائيليَّاً كونه وافداً من جهة معادية بهدف التخريب للبننة داخلية مصطفة داخل الوطن وتحت سقف الدولة....أعجب كيف نُنُكر أسئلتنا المُلحَّة ونتبرَّأ منها ونُحمِّل مسؤوليتها لبعضنا البعض دون أن نُدرك هويَّة السُّؤال الذي يحمل سِمات السِّياسة اللبنانية بتلاوينها كافَّة. ومن الطبيعي أن تدَّعي كل جهة تَملَّكها للحقيقة بإعتبار أنها ناشئة من عقلية وتجربة شرقية مستحوذة على الحقِّ الآلهي والأرضي ولا مكان تحت الشَّمس لآخر قد يملك نسبة من الحقيقة في حيِّز سماوي ضيِّق أو زاروب من زواريب الدروب العربية..لذا لا نجد في لبنان من يتقاسم الحقيقة مع الآخر ، لذا يُفضي إمتلاك الحقيقة كاملة إلى إسقاط مشروعيَّة الذي لا يملك الحقيقة ويُوضع في خانة عدائيَّة وتُشنُّ عليه أبشع حملات التنكيل والتعذيب والتقتيل بالسيوف والفؤوس كونها أدوات فرسان الإسلام الأول....تعوَّد الشرقيُّون على هذا التصنيف في الإختلاف بين مُكوِّنات المجتمع السياسي وخاصَّةً في الإطار العربي والإسلامي. من هنا لا نتفاجأ كثيراً بدعوات التكفير والتخوين والتهوين ولا ننصدم بما نقرأ أو نسمع من أحاديث شيوخ طُرُق المذاهب السياسيَّة الجديدة الذين يصطنعون فتناً تحت سيل من غُثَاء الأحاديث والمرويَّات الحاضرة في قاع الخلافات المذهبيَّة على ضوء النزاعات التَّاريخيَّة...من هنا لا يجد المُفتن نفسه مُفتناً وإنِّما حقَّاً واقفاً على أبواب السماوات السبع وحدود الأرضين السبع دفاعاً عن الدِّين والعقيدة من مُصلِّي يُؤدِّي الواجبات ويلتزم بالضرورات لكنَّه منافق من المنافقين المذكورين في سورة خاصَّة بهم ذكرها لهم القرآن الكريم....لا أعرف كيف يتمكَّن المتديِّنون اليوم من كشف المستور النفسي لمعرفة الصادق من المنافق خاصَّةً وأنَّ ميزان الفحص عند الإسلاميين هو المُقاربة في السياسة لا في الدِّين..في التجربة أكثر العداءات القائمة والمسيطرة على الواقع الإسلامي هي الإختلافات المُميتة ما بين أهل اللحى وهي أشدُّ مرارةً من الخلافات النَّاشئة ما بين أُطُر المُلحدة وتشكيلات مؤمنة وهذا ما يستدعينا إلى التأكيد على أنَّ العقيدة ليست سبباً للإختلاف بل السياسة هي التي تُكفِّر مؤمناً بحبال الكعبة الشريفة لأنَّ المعيار عند الإسلاميين سياسي وليس ديني ، وبالتالي فإنَّ الخلافات بين الأحزاب الدِّينيَّة على جبهات المذاهب والطَّوائف مُتشابهة تماماً للخلافات القائمة داخل الحزبيَّة الدِّينيَّة في الطَّائفة الواحدة..فإذا فرضنا أنَّ الحقَّ سُنيٌّ وليس شيعيٌّ والعكس صحيح، فلماذا تكفيرُ السُنيين لأنفسهم ودعوة كلُّ جهة حزبيَّة بأنَّها الحقُّ الإلهي وهذا يطال الشيعيَّة السياسيَّة أيضاً...فلهذا أعتقد أنَّ مذهبيَّة الخلاف يؤدِّي إلى فتن عاشها الاوَّلون من المسلمين ومرَّت على أجيال كثيرة ونحن الآن نشارك في فتنويِّتها ونصنع جمرها بأيدينا ظنَّاً منَّا بأنَّها برداً وسلاماً على المؤمنين