مذ بدأتُ أستوعب ما يجري من حولنا ،وبدأت قدراتي تتطوَّر على الإدراك والفهم والإستيعاب نمت ذاكرتي على حفظ ما جرى من تراكماتٍ وأحداثٍ وتغيُّراتٍ ، بقيت في ذاكرتي ظاهرة لم تتغيَّر إلى يومنا رغم مرور الأيام والسنين ، وربما تظل في ذاكرة الأجيال على مدى الدهر، هي صورة القائد الخارق التي تُلصق على الجدران والأبواب الخشبية والحديدية ، وزجاج السيارات والنوافذ وفي البيوت والصالونات وفي غرف المخادع وربما تراها في بيوت الحاجة، وأيضاً تراها على المآذن والجوامع والمعابد ، وربما تراها في المقابر...

ورأينا تلك الصورة تُزيَّن بها الكتب والدفاتر المدرسية ، بل تراها في المقدح عندما تقوم بإشعال الغاز لإجل كوب قهوة أو شاي...

وتراها في المعارض والمكتبات لرجلٍ فذٍّ خارقٍ لنواميس الطبيعة حتى أصبحت جزءاً من حياتنا اليومية .

 كلما إسترجعت ذاكرتي أتذكر تلك الألقاب والأوصاف لصاحب الصورة تفوق عبقريته وفُرادته وقيادته ألقاباً وأوصافاً تُغدق عليه من دون أجرٍ أو حسابٍ ، وترى صاحبها تارة بالقبعة الملوَّنة أو بالبزَّة العسكرية، وأخرى تراها بربطة العنق، ومكللة بالألوان والدُسُر ، وثالثة تراها تحيي الجماهير الغفيرة ، ورابعة تراها واضعاً يده على الكتاب المنزل وهو يقسم بالله والوطن والأمة أن يحترم الديمقراطية والدساتير.

هذا القائد هو قائد المعجزة والإعجاز، وطويل العمر تراه يحكم منذ أكثر من ثلاثين وأربعين عاماً وكأنَّ الأمة لم تنجب غيره، وكأنَّ الأمهات لن ينجبن غيره وهو محرَّمٌ عليهن ، إلاَّ إذا كان المنجب هو ذاك الفذَّ ،لأنَّ ماءه يحمل لقب الإبن القائد وأبو الأمة وصانع تاريخها وفخرها ومجدها وعزِّها،  لم يذكر وطن أو حزب أو طائفة أو جماعة أو جمعية ، إلاَّ إقترن إسمها بإسم القائد العظيم ، كل ذلك تذكره حال الحياة ...

وأما لا قدر الله وأخذ تلك الأمانة والوديعة ،تُضاف إليه أوصافاً وألقاباً يا ويلنا من بعدك ، رحل القائد المعجزة، وذهب الراحل الكبير، والعملاق التاريخي ، والمخترع والمبدع الذي وسع الدنيا بإنجازاته العلمية وإختراعاته العظيمة التي إستفادت منها البشرية جمعاء .

.ما زالت ذاكرتي بين الحالتين تتذكر حال القائد بين حياته وبين مماته، وبقيت الجماهير التي صنعت هذا العملاق تُراقب وترى وتختصر علينا وعليها تلك الألقاب حتى لازمتنا في يومياتنا وسهراتنا ،والويل لمن تفوَّه عن هذا القائد الحتمي بالإسم المجرَّد عن اللقب والوصف، بأشد العقاب ، ومن أنت حينما تذكر هذا الرئيس والقائد الذي غيَّر مجرى التاريخ والجغرافيا...

يا سادتي المهم أن يبقى القائد هو القائد الحتمي والقائد الضروري ولقد جاؤوا به من حتمية الضرورة لهذه الطائفة أو تلك الفئة أو لهذا الحزب أو لتلك المجموعة..

نعم يا كرام هم قادة على وزن سادة، لا علاقة لهم ببناء الأمم ، فهمهم الأول بقاء مصالح الأتباع وتوزيع الخيرات، ولا أدري ما هو الصحيح لجمع لكلمة قائد أهي من قيادة أم من قوَّاد ،ربما تكون في المصطلح العربي والإسلامي هي جمع قائد "قُوَّاد".