إرتفع الصراخ والبكاء والنحيب عند سماع نبأ موتك ، وارتفعت الأصوات بالتهليل والتبريك ، بوركت أيها البطل فقد فديت الوطن والأمة بروحك ، ودافعت عن المضطهدين والمستضعفين بموتك ، لقد رفعت رؤوسنا عالياً...بموتك نعيش الكرامة والإباء وحبَّ الوطن ، ها قد مشت خلف نعشك القادة العظماء ، والملوك والزعماء والمسؤولين  وأصحاب الفضيلة والسماحة وأولادهم ، وكل الحاشية من قائدٍ كبيرٍ إلى مسؤولٍ خطيرٍ....خلف نعشك جنودٌ يحمونك ، وعن يمينك عرضٌ عسكريٌّ ، وفرسانٌ عن شمالك ، ومن أمامك تضرب الطبول ، وتُطلق الرصاصات وهي تنتحب وتبكي ، يكتنف نعشك أرزٌ  أخضرٌ من أرز لبنان ، وعلمه الذي متَّ من أجل شرفه..وتمتدُّ الأيدي لتحفَّ بنعشك الآف مؤلَّفة وهي كئيبةٌ ، ويلفحها ويلفُّها الحزن والسواد..تلك الجماهير وجوهها مملَّلة كلَّلها الملل ، ووجوهٌ من جماهيرك المُشيِّعة عيونها تذرفُ دماً وتتدفَّقُ بدمعٍ غزَّارٍ ، لا ترى سواك في النعش..ترى عيونٌ من تلك الجمهرة باسمة حواليك ولكنها تعيَ عن رؤيتك ، وعيونٌ لا تراك أصلاً ولا ترى تلك الجماهير... البعض يُتمتمُ ويُردِّدُ ليتني فديتك أيها البطل ، وأخرى تصرخ لو كان بودِّي أن أكون نعشاً لك، وثالثة تشكرُ ربها في قلبها هو أنك أنت في النعش لا هي...ورابعة تتمنَّى ولو للحظةٍ واحدةٍ طالبةً من الله أن تركب معك في نعشك لترى المُلك والدرجات الرفيعة لتراها بأمِّ العين لتهدأ ويطمئن القلب...أيها البطل إغمض عينيك تحت أديم الأرض ، من الذي إنتشلك من حضن أمِّك هو ذاك القائد الفذِّ وأرسلك إلى الميدان لتحمي الوطن والشرف والعرض ، لتدافع عن مسيرة الحق ومسيرة الحرية والتحرير من العبودية والإستعباد...تراه يمشي خلف نعشك يطأطأ برأسه ويحدوه الصمت ، بماذا ينطق وبماذا يفكِّر ، لو نظرتَ إليه لعرفت صمته وتفكيره  ، بتلك السلطة والسلطان ، أم أنه ينطق في ساحة الميدان عن النصر الذي حقَّقه وحقَّقته كتله الإصلاحية من العدل والحرية والمساواة....لو نظرتَ إليه لوجدتَ في قلبه شفقاتٌ لرحيلك ، ونقماتٌ على من قتلوك من أعداء الله والوطن ، لرأيتَ كيف يُفكِّر في المستقبل إنه بطلٌ تاريخيٌّ وقائدٌ عملاقٌ سيُسجِّل له التاريخ على صفحاته ، لرأيتَ كيف يشعر بوخزات القلب والضمير لأنه رشَّ في عينيك رماداً ، وأعطاك وِسَام الأرز برتبة عميدٍ أو رتيبٍ أو عقيدٍ.... لكنك ستراهُ كان يمشي خلف نعشك كما تلك القادة من الوزراء والنواب كما هي عادة الساسة أن يمشوا في جنازةٍ أو في عرسٍ أو في مناسبةٍ ومهرجانٍ....لا ندري من الذي إفتدى؟  أفديت بروحك ، أم فدى القائد روحك...لقد جاؤوا بك من الأرض التي امتصَّت دمك ، ليضجعوك فيها من وسادة التراب وإذا أفاق الصبح لسمعتَ أصواتاً تُقلق راحتك بأغاريدها ، وإذا أقبل الليل أقبلت الوحوش تزعج سكينتك بعوائها....وأنت تقول علام نقلتموني من جَدَثٍ تقبِّله الشمس ، ويغسله المطر ، إلى جَدَثٍ لا مطر فيه ولا شمس ولكن سيجمعكم الله ليوم الجمع ، إنكم تدركون وأنتم تبصرون