إلى أي مدى يستطيع حزب الله أن يتحمل هذه الصرخات في وقت لم تعد تنفع سياسات التخدير وخطابات الانتصار وفي وقت كانت المعضلة وما زالت في الفرق الشاسع بين اولويات الحزب وأولويات الناس والمجتمع.
 
من البقاع إلى بيروت فالجنوب تتسع يوما بعد يوم نقمة البيئة الشيعية على حزب الله في ظل الأزمات المعيشية الضاغطة وفي ظل استمرار تردي الأوضاع المادية والإقتصادية. يرزح المجتمع الشيعي وبيئة المقاومة تحديدا تحت وطأة الفقر والجوع والحرمان، وتحت وطأة العتم والظلام والأزمات المعيشية المتتالية كما كل اللبنانيين، فيما يستغرق حزب الله في خطابات التهديد والوعيد من جهة وفي خطابات الوعود والتضليل من جهة ثانية، ربما لاستيعاب النقمة في المجتمع، وربما أيضا للتخدير العاطفي ونحن في أجواء عاشوراء وذكرى أبي عبد الله الحسين عليه السلام، هذه الذكرى التي يحولها حزب الله لمناسبة وأداة للسيطرة على العقول والقلوب واعتبارها مناسبة للتأسّي بالحسين وعطشه وجوعه واستشهاده بالرغم من أن هذه الثورة الحسينية ما هي إلا لرفض الظلم والطغيان والفساد، وما هي إلا للإصلاح ونبذ الطاغية والزبائنية، وهي مصطلحات من عمق الثورة الحسينية ومن أهم أسبابها وهو أمر لا تجده في تلاوة مجالس السيرة الحسينية الحزبية على مدى عشرة ايام إذ تحولت الذكرى إلى مناسبة استسلام للواقع المرير الذي رفضه الإمام وترفضه كل اهداف الثورة الحسينية. كانت حاجة الناس وما زالت تأمين الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم وقد انتشرت على التواصل الإجتماعي صرخات عفوية امتدت من البقاع الى بيروت إلى الجنوب تتمرد على الإهمال والحرمان في البيئة الشيعية في وقت ما زال حزب الله متمسكا بخياراته الخاصة وخطابه السياسي القائم على رغباته وحاجاته ومصالحه المرتبطة بالصراعات الدولية والإقليمية ولا شأن له بمعاناة الناس وحاجاتهم. لقد ظهرت وبشكل كبير الهوّة بين ما يريده الناس وما يريده حزب الله، وبين وحاجات الناس وحاجات حزب الله ولم تعد ثمة موائمة بين هذه وتلك فالناس في الحال الذي وصلت إليه لا تأكل نفطا ولا غازا ولا مسيرات ولا صوايخ ولم يعد يهمها كما لم تعد ترضخ لسيمفونية المواجهة مع العدو والتي أصبحت بشكل أو بآخر من أدوات التخدير والاستقطاب ولم يعد بالإمكان استغلالها كما في السابق في مجتمع فقد أدنى مقومات الحياة وشارف على الإنهيار. لم يستطع حزب الله حتى اليوم وهو يحتفل بالأربعين لم يستطع الموائمة بين حاجاته ومصالحه وبين حاجات الناس ومصالحهم لا سيما بيئته التي ضحت وقدمت الغالي والنفيس حتى وصل هذا الحزب لسنّ الاربعين، استغرقت الحرب والسياسة على اهدافه وتطلعاته ومصالحه فيما غابت بشكل كامل عن قصد أو عن غير قصد أي حلول للازمات المعيشية فلا سياسات جادة ولا برامج جدية لمواساة البيئة الشيعية والحد من أزماتها في أكثر الأوقات إيلاما ووجعا وخطورة. إلى أي مدى يستطيع حزب الله أن يتحمل هذه الصرخات في وقت لم تعد تنفع سياسات التخدير وخطابات الانتصار وفي وقت كانت المعضلة وما زالت في الفرق الشاسع بين اولويات الحزب وأولويات الناس والمجتمع.