إحتلَّت الروايات جانب النهي المساحة الأكبر في المقابلات التي توردها التحذيرات الدينيَّة ، واكَّدت النصوص الدينية الشيعية خصوصاً والإسلامية عموماً على أنَّ الإقتراب من السلطان يعني الجنوح إلى المعصية والإنغماس في الملذات والشهوات ، والخضوع والركون إلى الدنيا الزائلة..وأنَّ الإقتراب من السلطان يعني المفسدة والهلاك ، لأنَّ السلاطين والملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها لأنهم هم شرُّ الخلق وأشقى البشر ، وإذا أراد الله بعبدٍ سوءاً ومفسدةً مكَّنه من العلاقة بالسلطان...ومع ذلك وفي عموم الأحوال يقف السلطان في الوعي الشيعي والإسلامي عموماً في مقابل التقوى والنزاهة والورع والإيمان والزهد في بعض الأحيان وأنه ظلُّ الله في الأرض..

وموقفاً أخراً من السلطة بأنها جائرة وفاسدة ومفسدة ، لأنّ رسالة الإسلام والأنبياء جاءت لإيصال كلمة الدِّين – طبعاً إلى الدولة والسلطة الجائرة على الدوام – كما توحي أحد ضلال تفسير الحديث النبوي المشهور " أفضل الجهاد كلمة حقٍّ أمام سلطانٍ جائر "..ولهذا نرى في تاريخ المسلمين عموماً وعند الشيعة خصوصاً طائفة من المرويات المتناقضة والمتضاربة حول السلطة والسلطان ، وانقسم الفقهاء في ما بينهم إلى مدارس وأراء فقهية إلى ثلاث طوائف من الروايات..

بالتأكيد نذكر رواية لكل طائفة على سبيل المثال على الحصر لأنها كثيرة جدَّاً في تراثنا الإسلامي..الأولى تحدِّد عدم الشرعية لأي سلطة بعد غياب الإمام المعصوم وتبقى غصبية منذ إنفلاتها من حيِّز الشرعية الإلهية اي إنصرافها عن أصحابها الشرعيين أئمة اهل البيت (ع) كرواية الإمام الرضا (ع) في حديث طويل "...أنَّ الإمامة زمام الدِّين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا ، وعزِّ المؤمنين....."

من هنا نشأت فكرة المنتظرين لخروج الإمام الثاني عشر المهدي (ع) بإعتباره إمتداداً رساليَّاً وبخروجه تكون السلطة عادلة وشرعية.. الطائفة الثانية : جاءت في سياق النهي عن إتِّباع السلطان وتمكينه من السلطة باعتباره ليس إماماً عادلاً ولا يجوز الركون إليه لأنَّه غاصباً للسلطة ومدعاة للمفسدة والظلم ، كما ورد في قول النبي (ص) " الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا ، قيل يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا ؟

قال : إتِّباع السلطان فإذا فعلوا ذلك فاحذروهم على دينكم ".. الطائفتان التي ورد فيها ذكر السلطة أو أحد مرادفاتها ، وبفعل التجارب حول السلطة والسلطان في تاريخ المسلمين جرى تطوير وتوجيه تلك النصوص وصَبَّت على مطابقتها التي تتحدَّث عن الظلم والظَلَمة وصرفها إلى السلاطين الذين إغتصبوا الإمامة ، وهذا ما تؤيِّده الآيات القرآنية "ولا تركنوا غلى الذين ظلموا فتمسَّكم النار "...وأخيراً الطائفة الثالثة من الروايات التي تحدِّد بديهة وجود السلطان أو الإمام كما ورد في المشهور عن أمير المؤمنين (ع) " لا بدَّ للناس من أميرٍ ، بَرٍّ أو فاجر ، يضم الشعث ، ويجمع الأمر ، ويقسِّم الفيء ، ويجاهد العدو ، ويأخذ للقوي من الضعيف ، حتى يريح برٌّ ، ويستراح من فاجر "....

هذه الطائفة تسعى إلى إرجاع السلطة إلى مكوناتها الطبيعية لأنها نزعة بشرية لإقامة نظام يحفظ النوع البشري ، ويدرء المخاطر والمفاسد والعدوان عن العباد ويعمل على حراسة المصالح وعلى صون الأنفس من الهلاك...وبعد كل هذا نرى المسلمين بزعاماتهم السياسية والدينية الشيعية والسنية تُبرِّر عمل السلطان وتعمل وتشارك في السلطة تحت تلك العناوين الدينية التي بدورها يبرِّرها الفقهاء تارةً بدعم السلطان ومساندته لأجل حفظ المصالح ، وأخرى تبرِّر قتال السلطان وعدم جواز مساندته بل تسعى لعزله....ما لكم كيف تُبرِّرون...!