تحتاج الأمة إلى المزيد من التجديد والإبداع ومواكبة المستجدات والمتغيرات ، وخصوصاً في الإجتهاد على المستوى الفكري والفقهي ، أمام كل التحديات والمنعطفات التي تعصف بالأمة.. فإذا كانت هناك منعطفات كبيرة في حياة الأمة، فمن باب أولى أن تكون الحاجة للتجديد والإجتهاد أكثر إلحاحاً ، لأنَّ الفقهاء الماضين والسابقين قد بذلوا ما بوسعهم وأعطوا آراءهم من خلال الأوضاع التي يعيشونها ومن خلال البيئة التي كانوا يتفاعلون معها...وربما قائل يقول بأنَّ الميزة التي إمتاز بها الفقهاء في العصور المتقدمة هي قربهم من عصر النص..؟ ولكن اليوم رصيد المعرفة والعلم والخبرة والتطور والتجربة المتوفرة هي أعظم وأكبر وأضخم وخصوصاً أننا نعيش زمن التطور العلمي

والفكري، وهذا أيها القائل لم يكن متوفراً في تلك الأزمة...من هنا كانت تنتصب أمام الفقيه المجدِّد عوائق كبيرة تقف أمام إبداعه مقارنة مع ما هو موروث ومشهور، أو ما هو السائد والمتداول في الحوزات العلمية والأوساط الدينية، فكانوا ينظرون إلى أي رأي تجديدي هو رأي شاذ وبدعة وضلال وخروج عن الأطر الشرعية الدينية،وقد وصلت الأمور إلى الخروج عن العقيدة وأصول الشريعة الدينية..هنا لا أريد الخوض في الأسباب لأنه قد تدخل الأغراض الشخصانية والأمور"المصلحجية" وربما الأهواء المزاجية وتحديداً تلك الأغراض التي ينتفع منها المتحزبون والسياسيون فيشهرون سلاح التشكيك والإتهام من كل حدبٍ وصوبٍ ، ويستغلون عواطف الجمهور ومشاعرهم من أجل

القضاء على ما هو جديد ومواكب لحياتهم..هذه المعاناة التي تواجه الفقهاء المجدِّدون والتاريخ مليئ بالحوادث التي عصفت بالكثير من العلماء والمفكرين على المستوى الديني والثقافي والسياسي..نسلِّط الضوء بين عالمين كبيرين الأول هو الفقيه "محمد بن إدريس الحلي" في القرن السادس للهجري (543-589) الذي كثرت فيه التصانيف من قبل فقهاء الحوزة والنيل من شخصه وبأنه أعرض عن أخبار ومدرسة أهل البيت (ع) فكيف يُعقل ذلك أن يعرض فقيه شيعي عن مدرسة وأخبار أهل البيت(ع) مع العلم بأنَّ للشيخ ابن ادريس كتاباً خاصاً جمع فيه أحاديث أهل البيت(ع) تحت عنوان (مستطرفات السرائر) ولكن تحوَّل الخلاف من المنهج العلمي إلى الخصام الشخصي الذي أنتج هذه

الإتهامات....والثاني هو الفقيه"السيد علي الأمين" في يومنا هذا سببه هو الجرأة في الإجتهاد وهو أستاذ وفقيه في الأصول والفقه في الحوزات العلمية بشهادة حوزتي "قم المقدسة والنجف الأشرف" وحوزات لبنان وكانت له حوزة دينية في مدينة صور مدينة الإمامين موسى الصدر وعبدالحسين شرف الدين خرَّجت الكثير من العلماء والفقهاء والبعض منهم يتبوَّء مناصب دينية وسياسية في الحقل الديني والسياسي، والعلامة الأمين له بحوث علمية وأصولية وفقهية ومؤلفات عديدة كلها مستمدة من مدرسة وأخبار أهل البيت(ع) فحوَّلوا الخلاف من المنهج العلمي والفقهي إلى الخصام الشخص فكان نصيبه كالعلامة ابن ادريس من قبل فقهاء الموروثات واستغلوا عواطف الجمهور، إضافة

إلى ذلك واجه العلامة الأمين إتهامات من الأحزاب السياسية المدعومة من الطبقة الدينية....هذا الإستسلام كلَّفنا ويُكلِّف الأمة ثمناً باهظاً وهذا ما نشهده اليوم بعدما تحوَّل الخلاف إلى خلافات مذهبية وطائفية ودموية تعيشها الأمة العربية والإسلامية ، فمواجهة تلك السلبيات لا يكون بالقتل والقمع والتهجير ،بل بالمنازلة الفكرية والعلمية والطروحات المنهجية التي وضعها العالمين "ابن إدريس والأمين" لأنَّ الإرهاب الفكري أكثر ضرراً وأشد خطراً على حياة الأمة.