عندما كتبت عن مؤسسة المجلس الشيعي ومن يخلف رئيس المحاكم الجعفرية ، إنتاب القلق لكثيرين من أهل الجُبَّة والجباية "والجبَّانة" من الذين لا همَّ لهم سوى الوصول إليها أو إلى أي منصبٍ أو وظيفة...وكأنَّ ما بين الحوزة والوظيفة مساحة فقهٍ ووعظٍ وتبليغٍ وإرادة قابضة على كيفٍ من جمر الحقيقة ، التي إنتهكها واعظون تدثَّروا أثواب التقوى وتراب الدَّين...فعلاً وخيراً فعل أؤلئك الذين يسيرون في ركاب الموتى ، ويحملون مناصبهم وكراسيهم على أكتاف البسطاء والفقراء ، واعتادوا على الإلتحاق بالسلطة السياسية والتكيُّف معها والدخول تحت مظلَّتها إيماناً بالدور المسموح لهم وفق ذهنية السلطة الثنائية الشيعية والعقلية السياسية..هذا الدور إنتهجه الكثيرون من العلماء منذ القِدَم وحتى يومنا هذا ، ولكي نكون من المنصفين شهدت حركة لرجال دين وافدين من خارج الإطار الحزبي السائد ، أما اليوم فإنَّ المشهد السياسي مغلق على رجال الدين المواليين للثنائية الشيعية ، إلاَّ ما رحم الله.. ولهذا لم يعد صاحب العمَّة ذلك الرجل المعرض عن الدنيا ، والمقبل على الآخرة ، كما لم يعد محط للتمسُّح والتبرُّك ، وإبداء أسمى آيات الإجلال والتوقير ، فقد صاروا مجمعاً للدغمائية الحزبية في السياسة والفكر...فلم يعد الهم لمحاربة الغش والخداع والتضليل ، ولم يعد الدور في رسالته من أجل الفساد المستشري وخصوصاً في المؤسسات الشرعية ، بقدر ما يكون الهم والشغل الشاغل كيف يصل الواحد منهم إلى وظيفة أو كرسيٍّ من صنع سمسار في الدين والناس ، واعتاد الكثير من خطباء الأحزاب أن يأمروا الناس بتقوى الله وينهوا عن معصيته ، ودائماً يوجهون تلك المواعظ في الغالب إلى الفقراء والبسطاء والمستضعفين الذين يظلمهم الأقوياء وتظلمهم الأجزاب ، فيخوفونهم من نار جهنم التي تشوي الوجوه والأفئدة كلما نضجت بدلها الله غيرها كي يدوم عليها العذاب الأليم..كما جاء في حديث أحد المفتيين وهو يعظ الناس من حديثٍ إلى آخر، وأعناق البسطاء مشرئبة فقال : ورد في الحديث الشريف أنَّ المرء يُسئل يوم القيامة عن ثلاث ميمات : مأكل ، مشرب ، مال....ولكنه بالقراءات نسي "ميم" المفتي، "وميم" "المنصب"...وأما الأقوياء والنافذين في السلطة الدينية والسياسية الذين يملكون إلى ولد الولد ، ويملأون البنوك ويعيشون حياة الترف في الوقت الذي يعاني شعبهم القوت والتلف ، فإنهم يمجدونهم ويسبحون بمجدهم كي يضمنوا وظائفهم ويلتمسون العلل لتبرير ذلك..وإذا أردت فالكلام طويل والتجارب خير دليل..ولكن من الصعوبة الإقتداء بمن ننتسب إليه هو الإمام علي (ع) نقدِّم مثالاً من الذين تجرَّدوا عن كل غاية حتى نفي إلى النهاية عسى أن ننتفع بها كرجال دين ، مرَّ أبو ذر الغفاري بمعاوية وهو يبني داره الخضراء ، فصاح في وجهه وقال له " من أين لك هذا يا معاوية! فإذا كنت بنيتها من مال المسلمين فهي الخيانة ، وإن كنت بنيتها من مالك فهو الإسراف.