وما أرسلناك إلاَّ رحمةً للعالمين...
هذا ما قالته السماء من أنَّ محمداً جاء رحمةً للبشر ، فصار أتباعه يعتبرونه لجماعةٍ معينةٍ من البشر ، وأرادوا بذلك عودة دولة الشريعة والخلافة ، والتي ترتكز عليها مفاهيم الأحزاب الإسلامية ، بل حتى كل الفرق الإسلامية بكل أصنافها وأنواعها المختلفة...وكثير من رجالاتها الدينيين ممن وجدوا الشغل بالدين أسهل ، وأكثر كسباً وشهرةً ومكانةً ووجاهةً وسلطةً ، ويريدون إكتمالها بين أيديهم غير منقوصة..
لنبدأ بنعمة الحريات التي يغنيها لنا بعض المفتين والموظفين من رجال الدين ، صباحاً ومساءً وعلى مدار ساعة الوقت والزمن ، من حريات إسلامية سمحاءٌ سمحة ، تدافع عن حقوق الناس..أغنية على مدار التاريخ ، كما وقفت السعودية ودافعت عن حرية الرأي واستنكرت الإعتداء على المجلة الفرنسية واعتبرته إعتداء على حرية الرأي ، ودانت الأخوين كواشي مرتكبي مذبحة "شارلي إيبدوا"..وهي صادقة من هذه الجهة في الدفاع عن حرية الرأي.ولكن من جهة أخرى إعتقلت وسجنت الناشط الحقوقي في حقوق الإنسان "رائف بدوي" عشر سنوات ومع ألف جلدة تنفيذاً للأحكام الشرعية ، السبب في ذلك هو الحكم عليه بالردَّة أو ما يسمَّى بالإرتداد ، وإنَّ هذا الشيء له حدٌّ واحدٌ وهو القتل بعد محاولة الإستتابة غسلاً من الدم مقدماً ، وكما تعلمنا وكلنا يعلم من أنَّ هذه القاعدة مطاطية لأنها من صنع الفقهاء وهم من البشر ، ولأنها  كذلك فإنها تقبل الإضافة والحذف حسب الغاية والهوى والمصالح والمفاسد والنزوات وبالتالي فهي لا علاقة لها بالشأن السماوي الإلهي.....فإن كانت حرية الرأي على حد التساوي بحسب إعترافهم فإنَّ أي طرف من الأطراف إذا أراد أن يضع خطوطاً لا يحق لأحد أن يتجاوزها أو أن يتعدَّاها فحينئذٍ يصبح لكافة الفرقاء أن يضعوا خطوطاً حمراء وفق ما يؤمنوا به...وصراع المفاهيم والقيم الدينية والحقائق المطلقة لا نتمكن من الوصول إلى تفاهم عليها لأنَّ كل طرف من الأطراف له مبرراته ويقينياته الإيمانية والدينية التي تصادر الآخر ، وكلٌّ منهما يتمترس خلفها وبحسبانها بأنها مقدَّسات تعطيه الحصانة لينال من حرية الآخر ومعتقده وقِيَمِه....
ولكن أرانا الواقع أنَّ أغلب الوعاظ والطغاة من نوعٍ واحدٍ هؤلاء يظلمون الناس بأقوالهم ، وأولئك يضلمون الناس بأفعالهم ، هذا عن دور المفتين والقضاة في السلطة...وأما عن أغلب رجالات الدين فأصبحت الدعوة إلى إحترام الرأي تدرُّ عليهم  الأموال والمناصب والألقاب ، وعنوان ربَّانيون بلا حدود عابرة للقارات والمحيطات الأطلسية....والبعض الآخر يحفظ قوله تعالى: "إنما يخشى الله من عباده العلماء" ولكنه بالقراءات السبع .....لا يخشى...!
والأغلب يحترف مهنة الوعظ الديني لكل من فشل في مهنة أخرى.. وفي كل الأحوال هي مهنة سهلة أرانا الواقع أنَّ أغلبهم يصلي بالأجرة ، يعظ الناس بالأجرة ، إن لم يحج بالأجرة ، والبعض يتقن فنَّ الإفتاء والفتوى بالأجرة ، والبعض يشير بالأصابع العشرة "تلك حدود الله فلا تعتدوها" وكأنهم يريدون من الناس جميعاً أن يفعلوا مثلهم ناسين أنَّ السعي والكفاح في سبيل الرزق والعيش في حرية ، قد أعمى الناس عن كل شيء سوى لقمة الزَّقوم....


الشيخ عباس حايك