الحرص الشديد على السلم الاهلي والاستقرار السياسي والحفاظ على المؤسسات منذ الشغور الرئاسي، يبدو انه محصور فقط بالرئيس نبيه بري والعماد ميشال عون والامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله وفريق 8 آذار ووزرائهم الثمانية في حكومة "الوان مان شو" التي يرأسها تمام سلام ويديرها فريق سعد الحريري الخارجي. وقبل وضع وزر التفرد في إدارة الحكومة على سلام والمستقبل يجب اولاً تحميل مسؤولية التراخي لفريق 8 آذار مجتمعاً الذي بات يحمي تيار المستقبل ومصالحه وحكومته تحت شعار الحفاظ على الاستقرار والمصلحة الوطنية بينما تزداد مشاكله ومعاناة مؤيديه من خسارة أبسط حقوق المواطنة والعيش الكريم.
قبل انقضاء العام بايام مرّر "المستقبل" عبر سلام اتفاقية تجديد التفويض للمحكمة الدولية من دون المرور بمجلس الوزراء مجتمعاً كما ينص الدستور وكما تفترض حالة الشغور في الرئاسة الاولى. وقد برر سلام ان بروتوكول الاتفاق بين لبنان (بين العام 2005 -2007 اي فؤاد السنيورة) والمحكمة الدولية مقرّ تحت البند السابع وملزم للبنان تلقائياً ولا يحق الاعتراض عليه. وقبلها مر تمويل المحكمة بلمسات نجيب ميقاتي وسهيل البوجي والمختلس من هيئة الاغاثة ابراهيم بشير الموقوف من دون ان تعترض قوى 8 آذار او "تقوم قيامتها" وعدم الانجرار الى مشكلة ليس وقتها.
ومنذ ايام ايضاً قام سلام ووزيرا الداخلية نهاد المشنوق والشؤون الاجتماعية رشيد درباس في اللجنة المكلفة بمتابعة ملف النزوح باستدعاء ممثل للامن العام وتبليغه بالإجراءات التي سميت تنظيم النزوح. وهي تطرح إشكاليات في الشكل والمضمون وليست مزحة او مجرد تدبير احترازي "حلم" به درباس لضبط النزوح بعد تخلي الجهات المانحة عن مساعدة لبنان.
في الشكل لا يحق للجنة وزارية مختصرة وتبحث في بعض الاجراءات الروتينية في ملف النازحين ان تصدر قراراً من دون إجماع السلطة السياسية ومن دون المرور في مجلس الوزراء فتنظيم النزوح لا يعني تفرد سلام و"المستقبل" بإدارة البلد او النزوح.
وفي الشكل ايضاً اي مذكرة او قرار رسمي لبناني متعلق بسورية ومواطنيها عليه ان يمر حكماً بقناتين فإما الامانة العامة للمجلس الاعلى اللبناني- السوري ومنه اليها. او عبر الخارجية اللبنانية الى سفارتها.
في المضمون تجاوزت هذه المذكرة العلاقات بين لبنان وسورية والاتفاقات الموقعة بين البلدين وخصوصاً الاتفاقية الموقعة بين البلدين في مجال حرية تنقل وعبور الافراد في العام 1993 والموضوعة بنودها التنفيذية بين الامن العام السوري واللبناني في العام 1997 والتي تنص على سفر رعايا البلدين بموجب بطاقة تمنح لستة اشهر قابلة للتجديد. فأي تعديل على هذه الاتفاقية يتطلب اولاً تنسيقاً بين البلدين وبالتفاهم والتراضي. أما ان يفرض بعض من في الحكومة تأشيرة على المواطنين السوريين او سمة دخول من دون الرجوع الى باقي اللبنانيين والى السوريين فهذا يعني ضربًا لروحية الطائف والذي ينص على علاقة مميزة بين سورية ولبنان، وكذلك الالتفاف على الاتفاقات الموقعة بين البلدين ومحاولة لتعميم رأي شخصي من طرف سياسي على السلطة السياسية المجتمعة والبدء بخطوات ستتدحرج ككرات الثلج لمقاطعة "مخفية" لسورية التي يحكمها نظام شرعي ومنتخب وتربطه بلبنان علاقات صداقة واخوة ومعاهدات وتنسيق.
وما يؤسس لنظرية سعي المستقبل وفريق النائب وليد جنبلاط و14 آذار والوسطيين المؤتمرين باوامر السعودية هو طريقة الاستخفاف بالسفارة السورية والمجلس الاعلى اللبناني- السوري حيث علم الامين العام للمجلس نصري خوري من احدى الصحف المحلية بإجراءات الثلاثي سلام - المشنوق-درباس فما كان منه الا ان اتصل بالامن العام الذي ارسل له عبر الفاكس نص المذكرة والذي قام بدوره بإرسالها الى إدارة الهجرة والجوازات السورية التي تبلغت بالقرار من احد المواقع الالكترونية.
ومحاولة القفز فوق العلاقة بين لبنان وسورية والتنسيق بينهما ليست وحيدة منذ اندلاع الازمة السورية في العام 2011 اذ نقل خوري نفسه الى الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي اكثر من رسالة سورية للتنسيق السياسي والامني بين البلدين لمنع تدفق المسلحين والارهابيين من وعبر لبنان الى سورية. رغم ان التنسيق التجاري وتبادل البضائع والجمارك والترانزيت والتبادل التجاري والطبي والاكاديمي والتربوي وحتى العسكري بين الجيشين اللبناني والسوري مستمر على قدم وساق.
السلطات السورية لم تبلغ الجانب اللبناني بعد كيفية ردها على الاجراءات ولم تلجأ الى مبدأ المعاملة بالمثل الذي سيتضرر منه لبنان بل سلكت طريق التواصل مع القوى السياسية اللبنانية. وبدأ السفير السوري جولة من عين التينة وعكست تصريحاته نقلاً عن الرئيس بري دخوله على خط المعالجة وهو رفض باسمه كرئيس للمجلس النيابي وممثل في الحكومة الاجراءات التي تضرب العلاقة مع سورية وهذا الرفض استكمل امس الاول ببيان باسم قوى 8 آذار مجتمعة التي ستصدر قواها تباعاً مواقف منفردة والتي بدأها الحزب القومي امس. وستبدأ من الاثنين مروحة اتصالات داخلية ستبدأ من الرئيس سلام وهي ستطلب لقاءه عاجلاً لبحث 4 ملفات اساسية: المحكمة الدولية والمذكرة الحدودية والملف الاقتصادي الاجتماعي وتفعيل عمل الحكومة.
التراخي في بنية 8 آذار والقوى الحليفة لسورية بدا جلياً امس الاول، حيث لم ينبس ممثلوها في إجتماع مجلس الوزراء ببنت شفة ولم يعترضوا خلال الجلسة على الاجراءات الحدودية المتخذة بمعزل عن رأيهم فماذا ينتظرون ليوقفوا مغامرة تمام سلام وفريق المستقبل داخل الحكومة؟