عند الإعلان عن تشكيلة حكومة الرئيس تمام سلام منذ عام ونيف، بدت الصدمة والوجوم بارزين على وجوه مناصري تيار المستقبل وفريق 14 آذار وكذلك حزب الله وفريق 8 آذار. وليس مبالغة القول ان الغضب وصل لدى جماهير المقاومة و8 آذار الى حد "الخيانة" والامتعاض من خطوة توزير اليس شبطيني وأشرف ريفي وبأقل حدة نهاد المشنوق، فالاولى حماها الرئيس السابق ميشال سليمان لدى خطوتها المشهورة في المحكمة العسكرية وكافأها بالوزارة، اما ريفي ومذ خرج من الاشرفية متقاعداً لم يبق ولم يذر حتى صار "اسد طرابلس المختار" و"قائد قبضاياتها". وهو مستمر حتى اليوم في تصفية حسابه مع حزب الله والتيار الوطني الحر لعدم التمديد له على رأس المديرية العامة للامن الداخلي. ويبدو انه ايضاً ما زال اليوم واقعاً تحت تأثير هذه الصدمة والخيبة بعد التمديد لاقرانه كافة في المؤسسات الامنية. من دون نسيان طبعاً انه تحول من موظف فئة اولى الى وزير بمكافأة شخصية من الشيخ سعد الحريري.
اما نهاد المشنوق الآتي من خبرة طويلة في العمل السياسي والاعلامي مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فتراه اليوم يتقن لعبة ضربة على الحافر وضربة على المسمار يكسر ويجبر من دون ان يقطع الخط الرفيع بين حيثيته السنية لدى انصار ومحبي رفيق الحريري وبين هدوئه وحنكته السياسية ورؤيته البعيدة للامور عكس ما توحي به سحنته الخارجية. ولعل ايضاً ما يجمع ريفي والمشنوق ليس انتماؤهما الى طائفة الاعتدال في مواجهة المغالاة بالتطرف فقط بل يفكر كل منهما في بناء حيثيته المستقلة ابعد من الوزارة او الانتماء الى تيار المستقبل او الخلاف الخفي بين معسكري الرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة.
ولو كان ريفي والمشنوق من غير الطائفة السنية او من غير 14 آذار او تيار المستقبل لوجدنا ان القيامة قامت ولم تقعد بعد تفريق شيوخ الامارة وقبضايات المبنى بـ و"فرفطة" فزاعة امارة الجدران الاربعة. وكذلك لم يكن بالامكان ان تهدأ الجبهات في طرابلس وان يختفي قادة المحاور فمنهم من سلم نفسه الى القضاء بعد ضمانات تخفيفية ومنهم من يقبع في السجون بتهم الارهاب ومنهم فار من وجه العدالة ومنهم مختف بقدرة قادر ومنهم مارسوا ما مارسوه من تحريض وإرهاب وفتنة تحت ستار جمعيات دينية ورجال دين وغيرها من مسميات.
وبما ان في الحوار باب من ابواب غسيل القلوب وتصفية النوايا وطي صفحات الماضي الاليمة، فلا ضير من الحديث عن ايجابية التقارب بين حزب الله وتيار المستقبل الذي انتج تنفيساً للاحتقان وكرس وحدة لافتة وحرصًا وطنيًا ملفتًا للاعجاب ويطمئن الى قطع دابر الفتنة من تبرؤ المنكوبين وذوي الانتحاريَين الارهابيَين منهما الى الخطاب السياسي والديني والشعبي الهادئ والمتزن والمعتدل والمؤاسي لأهالي جبل محسن الذين تأكد انهم كانوا ضحية عملية اقتلاع وتصفية وتهجير منذ الرصاصة الاولى التي وجهت الى صدر الجبل من ارهابيي بعض الاحياء الطرابلسية. فلماذا صوِّر اهالي جبل محسن طيلة الاعوام الاربعة الماضية على انهم قطاع طرق وليسوا لبنانيين ودخلاء على طرابلس واهلها وعاداتها وتقاليدها. وهل ينزع عنهم تأييدهم للمقاومة والرئيس بشار الاسد الجنسية اللبنانية او صفة المواطنة؟
اثبت نهاد المشنوق في زيارته الى منطقة التفجير الارهابي في جبل محسن امس الاول انه وزير داخلية كل لبنان كما اثبت بالاشراف شخصياً على اقتحام مبنى التكفيريين في روميه انه وزير داخلية شجاع في التوقيت وأهمية الخطوة رغم ان كل الامور السالفة تقع من ضمن واجباته وصلاحياته ويفترض ان يسأل عن عدم تنفيذها ولا يفترض ان يشكر عند القيام بها. وعلى هامش الانفتاح والايجابية والحماسة التي ابداها المشنوق للحوار بين تيار المستقبل وحزب الله لا بد من سؤال المشنوق عن عدم الاستجابة لطلب هيئة التنسيق في لقاء احزاب 8 آذار للقائه وهل يعتقد ان عذر الانشغال كاف  للقاء كل القوى السياسية اللبنانية بحكم كونه وزير داخلية لبنان وليس تيار المستقبل او 14 آذار؟
وعن الوزير ريفي، يشهد له في سرعة تحركه والتجاوب في كل ما يظهره الاعلام من فضائح وجرائم امام الرأي العام ويحرك الجهات المختصة لمتابعته ومحاسبة المسؤولين. كما يشهد للوزير ريفي كثرة زياراته الى قصور العدل ولقائه المحامين والقضاة، لكن ما يثير التساؤل هو إصرار اللواء ريفي على تصفية حسابه مع آل عيد علي ورفعت  فبعد تحويل قضية تفجير مسجدي السلام والتقوى الارهابي الى المجلس العدلي. ويؤكد قاض في المجلس العدلي ان تحويل اية قضية الى المجلس يعني توقيف كل الملاحقات والمذكرات بحق المشتبه به او المتهم البريء حتى تثبت ادانته. فما كان من وزير العدل الا ان ضغط على المجلس لاصدار مذكرة توقيف  بحق عيد بمجرد دخوله الاراضي اللبنانية اذ كان يفترض ان يستمع الى افادته فإذا كان سائقه او مرافقه متورطاً في التفجير او فاراً فلا يعني ذلك قضائياً انه متورط وبالتالي لا يمكن توقيفه. وقد علل ريفي هذا الضغط انه لا يمكن احتمال اظهار علي عيد بعد اتهامه عاماً كاملاً بالتفجيرين بمظهر المنتصر وماذا سيقال للناس؟ رغم ان اللواء ريفي نفسه اوضح القضية في تصريحات اعلامية واكد ان لا تسويات في قضية المسجدين؟ فعن اي تسويات يتحدث؟ وكيف يمكن التحدث عن تسوية في قضية لا اساس لقضيتها من الاساس؟