كما جرت العادة عند اي عمل عدواني تقوم به القوات الاسرائيلية البرية والجوية في لبنان وسورية، تبقى المعطيات الحقيقية والمجريات الميدانية وخلفية العمل المؤتى به تتردد اصداؤها لفترة طويلة. وفي كثير من الاحيان يحاول الاعلام الصهيوني بتوجيه من الادارة السياسية ان يستفيد من اي عدوان ولو كان فاشلاً الى اقصى حد ممكن مع نشر تفاصيل ومعلومات قد لا تكون دقيقة انما تهدف الى التشويش او رفع المعنويات و"البروباغندا". ولعل الاستفادة المعنوية اكثر ما يحتاجه بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف قبل الانتخابات المبكرة.
وتفيد مصادر ميدانية مطلعة على تفاصيل الغارتين الاسرائيليتين مساء امس الاول انهما استهدفتا مواقع عسكرية سورية على تخوم مطار دمشق الدولي والثانية استهدفت احد مواقع "حزب الله" في جديدة يابوس "النقطة الميتة" بين لبنان وسورية وعلى الحدود المشتركة والتي حكي انها كانت ستكون منطقة لانشاء "مخيمات آمنة" للاجئين السوريين.
وتشير المصادر الى سقوط شهيدين للمقاومة في موقع جديدة يابوس وهي نقطة مراقبة متقدمة للمقاومة بينما اقتصرت الاضرار في دمشق على الماديات، وتنفي المصادر ان يكون من بين الاماكن المستهدفة اية شحنات او اسلحة او مراكز تخزين صواريخ متطورة للمقاومة.
وتؤكد ان القوات الجوية السورية رصدت الطائرات الاسرائيلية وقامت الدفاعات الارضية بالتصدي للطائرات بينما عملت وحدة الدفاع الصاروخي الجوي في الجيش السوري على استهداف الطائرات المغيرة بصاروخي ارض جو اخطآ الاهداف نظراً للعلو الشاهق والاماكن البعيدة التي رمت منها الطائرات وهي بعيدة حتماً من مدى الصواريخ السورية.
في السياسة يشكل الدخول الاسرائيلي المباشر على خط الأزمة السورية للمرة الرابعة تأكيدا على صوابية وصدقية ما يقوم به الرئيس بشار الاسد والجيش السوري واللجان الشعبية، حيث يثبت يوماً بعد يوم ان لاسرائيل اليد الطولى في إدارة مجموعات التكفيريين والتحكم بمفاصل القرار وتحديد بنك الاهداف من اغتيال علماء الذرة النووية وعلماء الطب النووي الى المفكرين والكوادر الجامعيين وصولا الى رجال الدين وتهجير الاقليات الدينية من مسيحيين وعلويين وشيعة ودروز من اماكن تواجدها وسيطرتها. ولم تكتف بوضع يدها على آبار النفط ومصافي توزيعها ونقلها بل عمدت الى تدمير ممنهج لكل مقومات الدولة السورية من المعامل والمصانع والحديد والصلب الى المتحف والآثار والقبور والمزارات الدينية المقدسة.
غارتا الديماس وجديدة يابوس وقبلهما غارات جمرايا وإحدى قوافل الصواريخ التابعة للمقاومة في وسط سورية، لا تؤكدان فقط التدخل الميداني الاسرائيلي في الازمة السورية فقط بل تشيران بوضوح الى رسائل متعددة الاوجه ارادت حكومة نتنياهو توجيهها الى القيادة الايرانية و"حزب الله". فأولى هذه الرسائل ان اسرائيل ما زالت قادرة على "الردع" وتوجيه الضربات اينما كان وكيفما كان. وهي لا تزال "متحكمة" بمسار الامور في سورية وفلسطين وحتى العراق. وقادرة ايضاً على "الاطلالة" على الاتفاق الايراني- الاميركي وتأخيره وحتى تعطيله.
كما توجه الغارتان رسائل الى المقاومة ومفادها ان ممنوع كسر التوازن بعد عملية شبعا وإعادة الاعتبار الى معادلة الرعب "إذا ضربتم ضربنا".
وللمعارضة في سورية حصتها من الغارتين. فاسرائيل لن تسمح لقوات الاسد ان تحسم معارك الحدود وريف دمشق وحلب ودرعا وسيكون الإشغال والاستنزاف سيدا الموقف وفيهما ايضاً مساندة سياسية ومعنوية ومادية لقوات المعارضة السورية التي تنكفئ في الآونة الاخيرة في اكثر من مكان.
في السياسة ايضاً لا توحي جولات الموفدين الغربيين والدوليين الى لبنان ان هناك متغيرات اقليمية او دولية يمكن الاستثمار فيها لبنانياً او سورياً. فنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف ركز خلال مباحثاته على العموميات اللبنانية والصيغ الانشائية والدعوة الى انتخاب رئيس يتوافق عليه اللبنانيون. فالتأثير الروسي في السياسة اللبنانية صار في حدوده الدنيا إن لم نقل معدوماً. وسورياً ركز بوغدانوف على ما يسميها مبادرة بلاده لجمع المعارضة والنظام السوريين حول طاولة المفاوضات للخروج بتصور او آلية لحل سلمي للازمة.
اما موفد الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو فتأكد انه يعيد تسويق الطرح السعودي والذي نقله الى لبنان قبل اشهر سفير المملكة علي عواض العسيري والقاضي باستبعاد القادة الموارنة الاربعة والاستعاضة عنهم بمرشح توافقي بين جان عبيد ورياض سلامة.
في إنتظار متغيرات تبدو بعيدة المدى على الساحات العراقية والسورية ومعادلة "تأطير" حلم ايران النووي، يتوقع ان تستمر المحاولات الاسرائيلية لبقاء الازمة السورية في ميزان الربح والخسارة وتحت السيطرة من بوابة مزارع شبعا الى القلمون وجديدة يابوس. فممنوع على "حزب الله" ان ينتصر او ان يشعر بالراحة وممنوع ايضاً على ايران وسورية الاسد ان يشعرا بالراحة والاطمئنان. السؤال هو التالي: كيف سترد المقاومة واين سترد وما هي المعادلة الجديدة التي سترسم؟ المؤكد انه سيكون موجعاً وليس ببعيد.