فيما كان موفد الخارجية الفرنسية جان فرانسوا جيرو يغادر لبنان، عاد نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الى بيروت مرة ثانية لاستكمال ما تبقى من لقاءات لم يستطع إكمالها منعاً لتضاربها  مع المواعيد التي حددت له في دمشق مع الرئيس السوري بشار الاسد ووزير الخارجية وليد المعلم وكبار المسؤولين السوريين المعنيين بالمساعي الروسية لإعادة إحياء الحل السياسي في سورية من بوابة جنيف واحد والتي ستحمل إن كتب النجاح لها عنوان "جنيف 3 ".
وإذا كان كل من جيرو وبوغدانوف اتيا مستطلعين آراء القيادات اللبنانية، لمس مسيحيو 8 آذاربجيرو تبدلا في لهجة الاليزيه من لغة عسكرية وصارمة كان يحملها فرنسوا هولاند في بداية عهده ومتأثراً بلهجة سلفه نيكولا ساركوزي، الى لغة اكثر ليونة وعقلانية ومنطقية. وربما لم يكن هذا التبدل "صحوة ضمير" فرنسية انما اتى بعد فشل كل الرهانات الفرنسية بتبدل سريع في وجه النظام السوري ورحيل الاسد وحلول نظام يعتقد هولاند وحلفاؤه الخليجيون والسعوديون انه سيكون حليفاً في المنطقة ولا يزعج اسرائيل ولا يدعم قوى المقاومة ويقطع اتصال ايران بحماس وحزب الله والجهاد الاسلامي المادي والمعنوي والسياسي والجغرافي. اذا جيرو اتى مستمعاً ومصغياً ولم يطرح افكاراً رئاسية او اسماء اومرشحين، انما حاول جوجلة الافكار التي سمعها ليبني عليها خطة سير في إتجاه طهران والرياض استكمالاً لمسعى فرنسي قام به منذ اشهر. اما بوغدانوف فغلبت الازمة السورية على مجمل لقاءاته اللبنانية والسورية وهو لم يأت الى لبنان الا مستطلعاً ومستمعاً وشارحاً المبادرة الروسية لجمع المعارضة والنظام السوري على طاولة واحدة انطلاقاً من بنود جنيف واحد وهو ما زال في اولى خطواته العملية لكنه خطى خطوة هامة في التحدث مع الاطراف المعنية من اميركا الى السعودية وايران وسورية لتأمين المظلة التي تحمي مبادرته من الموت بفعل "نقص نمو" او "عيب خلقي" سياسي ودبلوماسي. ولعل الحزم والاندفاع اللذين ظهر بهما بوغدانوف امام مضيفيه اللبنانيين جعلهم متيقنين ان روسيا تستعيد زمام المبادرة في المنطقة برمتها وليس في سورية ولبنان فحسب، كما لمسوا "لهاث" فرنسا الاخير وراء إنجاز ما من بوابة الرياض- طهران قبل التسليم النهائي بالريادة الروسية في المنطقة. وتحدث بوغدانوف في لقاءاته امس عن رزمة حلول لبنانية متكاملة تبدأ من الرئاسة الاولى ولا تنتهي عند قانون الانتخابات ورئيس الحكومة المقبل الى غيرها من الملفات اللبنانية. ولعل اللافت في مبادرة روسيا انها تربط اي تقدم في ملفات المنطقة من لبنان الى اليمن والعراق  بوضوح الرؤية في الملف السوري. وعليه خرج من التقى بوغدانوف ان حصة لبنان من "رزمة بوغدانوف" خطوة اولى في مشوار طويل يتجاوز الايام والاسابيع. واللافت ايضاً في كلام بوغدانوف مقاربته الواقعية الدقيقة للتوازنات اللبنانية والحساسيات الطائفية والمذهبية. لذا شجع امام مضيفيه فكرة الحوار الاسلامي- الاسلامي والمسيحي - المسيحي وتوحيد الصفوف امام التحديات التي يواجهها لبنان والخروج بلغة مشتركة لإنقاذ المؤسسات.
ويؤكد مواكبون لحركة جيرو وبوغدانوف انهم لمسوا جدية روسية وفعالية في الطروحات نظراً لمروحة الاتصالات التي اجرتها القيادة الروسية اكثر من طروحات فرنسا التي "تزعم" وجود مبادرة فاتيكانية تنطلق منها لحماية الوجود المسيحي المشرقي وركيزته السياسية الفاعلة في لبنان. فضروري  بقاء الوجود المسيحي في لبنان فاعلاً وشريكاً في السلطة من الرئاسة الاولى الى الحكومة. فلا مبادرة فاتيكانية بقدر ما هي مباركة لحراك البطريرك الكاردينال بشارة الراعي الذي رفع لواء جمع الاقطاب الموارنة وتوحيد كلمتهم تحت عباءة بكركي. فاليوم يسعى الراعي الى جمع الاقطاب الاربعة فبدأ مساعيه الجديدة بلقاء مع العماد عون عند الخامسة من مساء الاثنين الماضي وتم ترتيبه قبل اسبوع بعد زيارة موفد عون الى بكركي لتهنئته بالعودة من روما. وحصل اللقاء بعد ان كان من موفد عون الا ان اعطى هاتفه للراعي بعد اتصاله بعون فتحادث الرجلان وتسامرا قبل الاتفاق على الموعد. وامس الاول التقى الراعي ايضاً النائب سليمان فرنجية وعرض معه التطورات وفكرة اللقاء الرباعي. اذ كرر فرنجية موافقته على كل ما يقوم به الراعي. وفي انتظار ان يكمل الراعي مروحة اتصالاته ولقاءاته الرئيس الجميل والدكتور جعجع يبقى الرهان على الحوار الداخلي اللبناني -اللبناني لتنفيس الاحتقان تحسباً للاسوأ في محيط يزداد التهاباً.