يقولون : إنَّ الشرق مهبط الأديان ، وهذا ما أثبته التاريخ ، لأنَّ الشرق يأبى الضيم والظلم والإستعباد والإستبداد ، ويرفض كل أنواع الإقطاع والإقطاعية ، وينكر الوثنية والطائفية البغيضتين بكل المعاني والمظاهر ، لأنَّ الدِّين عند المسلمين هو التضحية بالغالي والنفيس في سبيل الكرامة والحرية والإستقلال ، ومثال التواضع والأمانة والإخلاص والعدل....تاريخ المسلمين هو تاريخ شهادة وشهداء وإنتفاضات وفتوحات وثورات تحرُّريَّة من زمن صحابة     رسول الله ( ص ) والتابعين معه الذين جمعتهم كلمة التوحيد التي تعبِّر عن إرادة الشعوب ، لأنها هي الدعامة لحقوق الإنسان وكرامته وحريته والسبيل إلى تحقيق الهدف والغاية...وهي السلاح الوحيد في إيدي المجاهدين والثوَّار الأحرار من طلاب العدل والمساواة...نعم قد بُليت الأمة الإسلامية من بعد الصحابة والخلفاء بالسيطرة المعتدية بحكام الجور والفساد ، لأنَّ الحاكم الخائن على مدى التاريخ لا يستطيع أن يحكم إلاَّ إذا تعدَّدت الكلمة ، وتفرَّقت الأمَّة وتفرَّق الشعب إلى أحزاب وجماعات ، فكان يحكم بأسلوب الدين ، ومن كان يعارضه أيضاً يعارضه بأسلوب الدين...من هنا جاء السعي من هؤلاء  تقسيم المسلمين إلى شيعة وسُنَّة ، وتمسَّكت من هذه الثغرات للسيطرة والحكم ، وبدأت بالتنكيل بإسم الخروج والمروق من الدين بدعم من الدول الإستعمارية ، وغذَّت تلك الروح وعملت على تقويتها ، وقسَّمت البلاد العربية وفتكت بالشعوب وخلقت الأحزاب المتناحرة ، وهذا ما نشهده اليوم في أمتنا الإسلامية وفي بلادنا العربية تحت لواء "الإمارة" أو الدولة الإسلامية المتمثلة في جبهات النصر والنصرة وحركات الداعش والدواعش للسيطرة باسم الدين على المسلمين وبالتنكيل على المسيحيين في بلاد الشرق...من هنا سارعت القيادات الروحية والمرجعيات الدينية إلى عقد مؤتمر إسلامي كبير في دولة مصر العربية في جامعة الأزهر الشريف من إجل إعادة تاريخ المسلمين الذين ضحَّوا بأنفسهم ووقفوا جنباً إلى جنب في مواجهة تلك الموجات التكفيرية التي تريد أن تسيء لوحدة المسلمين ، ووقفوا جميعاً يدافعون عن أخيهم المسيحي ، وكانوا جميعاً صفَّاً واحداً كالبنيان المرصوص للدفاع عن الأرض والوطن...إنه مؤتمر توحيدي للتأكيد أنه لا خلاف بين المسلمين وليس بينهم جبهات شيعية وجبهات سُنيَّة ، وأنَّ العرب أمة واحدة ليس فيهم جبهة مسيحية وجبهة إسلامية ، ليقطعوا الطريق على التكفريين والمتآمرين على وحدتنا وعلى أمتنا العربية والإسلامية....ها هو الشرق مهبط الأديان لنفتح خزائنه ونُخرج منه كنوزه لكي لا يبقى مشَّرد ، ولا يبقى على الشفاه يباس ، ولا في البطون طوىً ، ولا في الأدمغة تحجُّر....عسى الله أن يلهمنا حسن النية وصفاء القلوب..

 الشيخ عباس حايك