يُشاع بين الناس أنَّ "الكتاب يُعرف بعنوانه" وأنَّ المرء يُعرف بسيماته ، حتى بين المثقفين والمتمدينين ، ولكن كم يوجد في التاريخ من كتب عناوينها كبيرة وجذَّابة ومضمونها لا يحتوى عنوانها، وكذلك العكس...وكم يوجد من بشرٍ تراهم رُكعاً سجَّدا ويختالون الناس بدينهم وورعهم وتقواهم...والمتمدينين يُعرفون بإرخاء اللحية وتحريك الشفَّة وما يتدلَّى منها من ترتيل ودعاء وإستغفار ، ولولا هذه الخدعة ما سمَّينا صالحاً تقيَّاً ورعاً وزاهداً وطاهراً ومقدَّساً من حراك سُبحته الطويلة من عقيقٍ أو ترابٍ ، أو من وضع ثوب العفَّة والطهارة من لبس الصولجان أو بتكوير العمَّة وبتوسيع الجُبَّة ، وبذرف الدموع على الخدود وصفعها بالأكف ، ونحن نعلم من هذه العناوين البيضاء ، التي تحمل قلوباً سوداء مظلمة كقطع الليل ، وأنَّ تحت هذا اللباس المستور نفوساً تحمل حقدأ وبغضاً وكراهيةً ، ولا تحمل أي نسمةٍ من نسمات الشفقة والخوف والورع والإحسان ، وهذا أصدق ما نطق به سيد الأنبياء محمد (ص) "لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم ، وصومهم ، وكثرة الحج المعروف ، وطنطنتهم بالليل ، انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة"...وما أسهل عنوان الذي يحمل لقب الرجل المتمدين إلاَّ أن يصقل جبهته كثفنة الجمل ، ويفتح فمه للإبتسام المتصنِّع ، ويستكثر من ذكر الله بالدعاء والبكاء ، وبحوقلةٍ وبسملةٍ ، ويستطرف ما يستطرف وإن كانت الزندقة هي الأساس ، فإذا كان هذا من أن يصقل الطباع الخشنة ، ويقوِّم الألسنة المعوجَّة ، ويهذِّب النفوس الجافية ، ويوسِّع الصدور الحرجة، فكثير ممن تدعوهم بالعفَّة والطهارة والقداسة هم متوحشون ، وكثير ممن نسمِّيهم همجيين هم مهذَّبون محترمون ، فكم من شريعة بشرية أو دينية تُداس في اليوم ألوف المرات تحت ثيابهم وأقدامهم ، فإن لم تكن علانية قد تكون سرَّاً ، أو بالفعل وبالفكر أو بألسنتهم المالحة والكالحة والجارحة ولا يعاقب أحد ، لأنه يملك عنواناً حزبياً أو يملك عشيرة من عشائر المال والجاه ، أو يملك سلاحاً فتَّاكاً يرعب به العزَّل الذين لا يملكون سوى كلمتهم وما أقلهم في مجتمع الهيمنة الحزبية والمصالح الدنيوية ، فيا لله للحقيقة التي عبثت بها القوانين، ولعبت بعقول الناس فيها العناوين ، وأنا لا أبرئ نفسي ولا أدعي أنني من الزهاد الأتقياء ولكنني لا أملك سلاحاً أرعب به الناس ، من هنا يتبيَّن لنا أنه لا يمكن أن نحكم على متمدين بمجرَّد جبهته المصقولة وبثوبه الخدَّاع في مجالسنا ومجتمعنا وفي حياتنا اليومية والعملية ، لأنه رُبَّ نفسٍ بين جدران السجون أطهر قلباً من مثلها بين جدران القصور ، ورُبَّ طريدةٍ من طرائد مجتمعنا ساقها المقدار الذي لا مفرَّ من حكمه إلى وقفة فوق أعواد المشنقة ، كان أجدر بها من ذلك المخادع والمرابي والمجرم الذي توشَّح  في وسام شريف ، وتلك الطريدة أعز شرفاً ، إلاَّ أنها في شملة المجرم...فالمرء الذي يملك حسَّاً إنسانياً إيمانياً هو الذي لا يشوبه رياء ولا دهاء ولا خداع ولا دهان، ولا يخالط يقينه كذب وإدعاء، ولا يهمهم ويدمدم بمسواكه ومسبحته وهو بعنوان المنافق أحرى منه بعنوان التقي الصالح.." أحسب الناس أن يقولوا آمنَّا وهم لا يفتنون"....

.الشيخ عباس حايك