الشرق الباحث عن الله الهارب منه ، مقولة قالها السيد موسى الصدر ، ذكرها الكاتب نجيب جمال الدين في " كلمات من أوروبا "، عندما كان برفقة " السيد " بجولة إلى القطاع الفرنسي..فقال: إسترحنا لحظات في المحطة ، ونشر السيد عباءته واستقطب مكة المكرَّمة بواسطة بوصلة وخارطة لا تفارقانه ، وأخذ يؤدِّي الفريضة..... شعريَّات وشبابيك القطارات أكلتها من الخلف عيون.... وسألني واحدٌ ، ماذا يصنع ؟ قلتُ : يتحدَّث إلى الله ، يُصلِّي...سَكَتَ...وسَكَتُ... وعندما قطع السكون ثالثٌ ، لا أدري كيف نبت ، ولا كيف أشعرني وكأنني في الخليج العربي في المنامة عاصمة البحرين..إذ قال بعربيةٍ أصيلةٍ وصافيةٍ : أوروبا الباحثة في الكواكب عن نفسها الهاربة منها ، لن تجدها إلاَّ إذا عادت فأيقظت الله النائم بها.... وكنتُ أفضي " للسيد " بما قاله هذا الذي تصورت أنه من البحرين ...عندما قال لي السيد : الشرق الباحث عن الله الهارب منه.... حبَّذا لو وعى جزءاً من حضارة الغرب حتى لا يعود على الأقل خروفاً في المسلخ..... "إنتهى"...

إستوقفني كلام السيد موسى الصدر ، وبدأتُ أسأل نفسي عن الفرق بين العقل الشرقي والعقل الغربي ، لأنَّ الله تعالى أول ما خلق ، خلق العقل ، قال له : أقبل فأقبل ، أدبر فأدبر..  وعزَّتي وجلالي ، بك أعاقب وبك أثيب...علَّني أرى الفرق بينهما في نقطةٍ لعلَّها تكون جوهرية وذات قيمة ، أنَّ العقل الشرقي عندما يعجز، يستسلم ويُبرِّر ذلك إلى قوَّة أكبر منه وينسبها إلى الله بقضائه وقدره...والعقل الغربي يعتدُّ بقوَّته وإن عجز لا ينسب عجزه إلى قضاء الله وقدره ، بل يحارب بها كل قوَّة وينسبها إلى نفسه ويتقدَّم خطوات إلى الأمام..لأنه بالتأكيد عقله يشارك ربَّه بواحدة من أهم إختصاصاته وهي مسألة الخلق والإبداع ، وهذا هو إمتداد الله على الأرض.. الشرق عقل متقطِّع على شكل قطع ، وغيار ، وثأر ، وإجتثاث من الشرش والجذع ، ولكي لا نسيئ ، صورةٌ حسنة ، الله في العقل الشرقي هو ظلٌّ يرتجف من الوضوء اللامسؤول ، ومن الطهارة اللامتناهية ، ومن الأشعار والأنثار المكتوبين تحت حشرجة الشجر وضوء القمر ، والأدب في الشفق...هناك مفخرة بالعلم والحضارة والرُّقي والتقدُّم..هنا مفخرةٌ بسلالة ، أو أفخاذ ، وبطون ، وأظهر...عشيرة ، طائفة ، سواد ، حزب ، وتيَّارت إلهية ونجماوية سماوية.. لكي لا نسيئ صورةٌ جميلةٌ ،إمتلاك خوف الموت ، والفقر ، والهجرة ، والتسوُّل ، والجوع ، والألم ، والفاقة ، والعبودية ، والأرقَّاء ، والإستعباد ، بل كل ضروب الخوف...ليس الله إلاَّ الحياة والسعادة ، والحب والحريَّة ، والطمأنية الروحية التي لا سعادة إلاَّ بها..فكانت الحضارة كما نعرفها في الغرب التي ساعدت على إستئصال الخوف والفقر والحرب ،بل رفع العبودية والرٍّق والإستعباد...حريٌّ بالشرق أن يتبنَّى من الغرب بعضاً منها ، حينها لا يبحث عن الله.. تداول السلطة ، حقوق الإنسان ، برلماناته ، معاهده العلمية ، وثقافته الإنسانية فقط المدنية ، وأن يتزيَّا بأزيائه الأدبية ، وأن لا يقف في تقليده عند حدٍّ ، حينها يرى الله ، لأنَّه بريء من تعقيم الإنسان.....صدقت سيدني موسى الصدر حتى لا يعود على الأقل خروفاً في المسلخ...

 الشيخ عباس حايك