إذا كانت العودة الاولى لزعيم "تيار المستقبل" الرئيس سعد الحريري إلى بيروت فاجأت الوسط السياسي والشعبي، ووُضعت في حينها في سياق إحتواء أحداث بلدة عرسال التي كانت في بداياتها، فإن إعلان الحريري نفسه قبل يومين عقب لقائه البطريرك الماروني مار بشارة الراعي عن عودته القريبة إلى بيروت، قد طرح معطى جديداً خرق الجمود في المشهد السياسي.

صحيح أن تداعيات أحداث عرسال لم تنته بعد، بل هي جرت البلاد إلى مستنقع الارهاب والتطرف، فيما أدت عملية خطف العسكريين من تنظيمي "داعش" و"جبهة النصرة" إلى وضعها في المواجهة المباشرة معهما، بحيث باتت أولوية هذا الملف تتقدم على أي من الاولويات السياسية الأخرى على أهميتها، وفي مقدمها أولوية إنجاز الاستحقاق الرئاسي وإنتخاب رئيس جديد للبلاد.
لا تبدو العودة المرتقبة للحريري بعيدة عن هذا المناخ. وهو الذي عمد إلى توجيه رسالتين أساسيتين من روما بعد لقائه سيد بكركي. إحداها توجه بها إلى قاعدته السنية ليقول إن طائفته طائفة إعتدال وأن موقف تياره السياسي ثابت وراء الجيش ودعمه، وصولا إلى محاربة من يحاربه. وفي هذا رد على محاولات إستغلال إنشقاق بعض عناصر المؤسسة العسكرية وإلتحاقهم بالتنظيم "الداعشي"، أو ردّ على الاتهامات التي تساق ضد الطائفة بأنها تشكل بيئة حاضنة للإرهاب.
أما الرسالة الثانية فتوجه بها إلى الجمهور الحليف من المسيحيين للقول إن الاتفاق على التمديد للمجلس النيابي لا يلغي إلتزام "تيار المستقبل" حيال أولوية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وفي رأي أوساط سياسية مطلعة أن هاتين الرسالتين ستتعزّزان فور عودة الحريري، بحيث تشكلان أولوية على مسألة التمديد الذي يضعه الحريري وفريقه السياسي في خانة الضرورة، ويختلف في تقويمه له مع حلفائه المسيحيين.
وبالفعل، فإن الرسالة الثانية وصلت أصداؤها سريعا الى الحلفاء، بحيث تلقفتها القوات التي أثنت على مواقف الحريري وثمنت له إهتمامه بالاستحقاق الرئاسي، فيما لا يزال حزب الكتائب على شيء من التحفظ. ومعلوم ان تحديد الفريق المسيحي الآذاري موقفه النهائي يظل رهناً بما سيكون عليه موقف "تكتل التغيير والاصلاح"، وذلك في إطار المزايدات الجارية على الساحة المسيحية والتي يسعى فيها التكتل إلى القاء تبعة التمديد في ملعب مسيحيي 14 آذار.
ويأتي الإجتماع الموسع الذي عقد في بيت الوسط أول من أمس برئاسة رئيس كتلة "المستقبل" الرئيس فؤاد السنيورة في هذا الاطار، إذ جرت خلاله عملية تقويم أو "بوانتاج" لمشاركة قوى 14 آذار في الجلسة المرتقبة للتمديد.
وعلم أن حزب "القوات" أبدى إستعداده للنزول من دون التصويت، من أجل تأمين النصاب وميثاقية الجلسة رغم موقفه المبدئي الرافض للتمديد، في حين لا يزال حزب الكتائب متحفظاً وإن لم يعلن قرارا بعدم المشاركة. لم يخف بعض المشاركين في الاجتماع مخاوفهم من أي إستدراج محتمل من جلسة التمديد نحو السيناريو الأسوأ الرامي إلى الفراغ، لكنّ ثمة اقتناعاً في أوساط مستقبلية أن الثنائي الشيعي يحرص على إنجاز التمديد، وبالتالي، فإن الخوف من تطيير الجلسة قد لا يكون بالنسبة الى بعض هؤلاء في محله.
وعليه، لا تستبعد الاوساط السياسية عينها أن تكون الدعوة إلى جلسة عامة لمجلس النواب بجدول أعمال من بند وحيد، هو تمديد ولاية المجلس قريبة جدا، ينتظر أن يتبلور موعدها فور عودة رئيس المجلس نبيه بري من جنيف، كما ينتظر أن يتبلور سيناريو إخراجها، وخصوصاً وأن مسألة المشاركة المسيحية لا تزال تطرح علامات إستفهام في الوسط المسيحي، ومحورها لماذا يمكن تأمين نصاب الثلثين لإجتماع المجلس للتمديد لنفسه ولا يؤمن هذا النصاب لإنتخاب رئيس للجمهورية؟
حتى الآن كل الكتل ستحضر إلى المجلس. يبقى من منها يشارك أو يمتنع أو يعارض. لكن هذا الامر بالنسبة إلى الاوساط السياسية تفاصيل. فالتمديد أصبح أمرا محتوما باتت المهل تفرضه، بإعتبار أن عملية ترميم قانون الانتخاب لم تعد تصلح الآن مع إنتهاء المهل.
وتتوقع الاوساط أن تشكل الجلسة المرتقبة الثلثاء المقبل في 21 من الجاري أي في أول ثلثاء يلي الخامس عشر من تشرين الاول، موعد بدء العقد العادي ( بموجب المادة 32 من الدستور)، موعدا طبيعيا لإلتئام الهيئة العامة، وخصوصاً ان مثل هذه الجلسة تنعقد حكما ومن دون دعوة.