ما زال النهار يضجُّ بأنفاس خلقٍ ملوَّثة بأعاصير وزوابع من الأحقاد والأضغان ، والكذب والخداع ، والمآتم والأحزان ، والفقر والجوع ، والموت والقتل...وما زال يعجُّ بالهموم والأثقال ، والضوضاء والشقاء ، والتهجير والتشريد ، وترك أوطانٍ بقلوبٍ واجمة ، وحسراتٍ ونكباتٍ ، ودموعٍ منهلَّة ، وأمهات خفقت قلوبهنَّ وهنَّ يذقن مرارة الثكل ، وأطفال حفاة الأقدام وعراة الأجسام وما زالوا يطلبون الرحمة....ما أثقل النهار ، أفخاخٌ وأوحالٌ ، ومواعظ وأصداف وأحجار، وخطب وشعارات من أصحاب الطرابيش والصولجانات ، ومن أصحاب موائد الشهوات ومقاعد الجلود والأخشاب التي ما زالت منادية ومطالبة ببناء الوطن وحبِّ الإنسان والعيش المشترك بين مكوِّنات المجتمع.....فتشنا عن ذلك بين رجال الدولة ورجال الدين ورجال الحديث ورجال الصحف فرأينا أنهم يتاجرون بالعقول في أسواق الجهل وقد ثغروا في رؤوس البشر ثغرةً ينحدرون منها إلى عقولهم فيفسدوها ، وإلى قلوبهم فيقتلوها ، ليتوسَّلوا بذلك إلى المناصب والذخائر فيسرقوها هذا باسم السياسة وذاك باسم الدين..فتشنا عن ذلك في مجالس السياسة والنيافة وأصحاب الدولة فرأينا المواثيق والعهود والأيمان كلها ألفاظ مترادفة والمعنى واحد وهو الخداع والكذب ، لأنَّ أعدى أعداء الإنسان هو الإنسان نفسه فكل جهةٍ وحزبٍ وتيارٍ قد أعدَّت عدَّتها لمواجهة أختها لتبقى الكرامة محفوظة حتى إذا وقع الخلاف على لقبٍ من الألقاب أو منصبٍ من المناصب لبس الإنسان درعه ولامة حربه وكشَّر عن أنيابه وأظافره وهجم على أخيه هجمة لا يعود إلاَّ به أو بنفسه وما خرجا للقتال إلاَّ ليضعا نجمة على كتف مسؤول ، أو درَّة في تاج رئيس وزعيم ، أو نيشاناً على صدر قائد...فتشنا عن ذلك بين نواب الأمة في مجلسهم الحافل بالزخارف والتهاويل لرأينا كيف يضحكون شروراً بصورةٍ خياليةٍ وجالسين حول كراسيهم وموائدهم يتاجرون ويتقامرون ، وأبناء تُذبح ، وبلد يُدمَّر، ويخطبون المهم الكرامة تبقى وإن كنَّا في الحضيض...البلاد في خطر عظيم والعدو متربِّص على الأبواب ، فاذهب واجعل من صدرك ترساً لأنَّ هذا العدو عاتٍ قهارٍ ينوي لنا الذُّل والعار ، ولحريتنا الموت ، ولوطننا الفناء ، هذا العدو ظالم مستبد يريد استعبادكم ونحن نواب الأمة قومٌ نعشق الكرامة والحرية ونعبد الحق ونقدِّس الوطن والإنسان ونشفق على البائس والمحروم والضعيف والفقير ، ونحن لا يمكن أن نرضى أن تُهان الكرامة وأن يُسحق الإنسان ونحن مسؤولين عن حريتكم وكرامتكم ، إنَّ ذلك لعار لا يطاق ، فالموت ولا العار.. نعم صحيح أننا بلا كهرباء ولا أمن ولا أمان ، ولا تأمين للدواء والأقساط ، وصحيح أنَّ مسارحنا ومدارسنا لا يستطيع الفقير أن يدخلها لأننا نحن بنيناها للأغنياء ولكن بإسمك ايها المسكين الفقير ومن مال الله تعالى المخصَّص للفقراء ، ولكن حفظنا لك كرامتك..فيا لله من ألسنة تنطق بالدين والعدل والحق والحرية وليس محركها إلا الجشع والطمع وحب السلطة..

 الشيخ عباس حايك