صحيح أن ملف العسكريين المخطوفين لدى تنظيم "داعش" يستحق كل الاولوية من أجل التوصل إلى حل يضمن سلامة هؤلاء ويعيدهم إلى عائلاتهم، بحيث ينجو لبنان من خطر الفتنة المذهبية التي يجري تحضير أجوائها وظروفها، لكن الصحيح أيضا أن مخاطر الانفجار الامني في ظل حالات التفلت والفوضى السائدة قد غيبت أي اهتمام بالملف الرئاسي.

فمنذ ان أقرت الحكومة آلية ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، تراجع الملف الرئاسي عن صدارة الاهتمام وسط اقتناع تام لدى مختلف القوى السياسية بأن ظروف إنجاز هذا الاستحقاق لم تنضج بعد، كما انها لن تنضج في القريب العاجل.
لا شك أن للقاء بين الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله وزعيم "التيار الوطني الحر" النائب ميشال عون دلالة بالغة الاهمية، إذ إنه قطع الطريق على أي إحتمال - اقله في المدى المنظور - لتراجع الحزب عن دعم الجنرال، في ظل توقعات بإمكان تحقيق ذلك اذا نجح التواصل السعودي - الايراني في تحقيق تقدم يمكن أن ينعكس على المشهد الرئاسي اللبناني.
وأهمية اللقاء تكمن في أنه يقطع الطريق أمام قوى 14 آذار التي سعت من خلال مبادرتها الاخيرة إلى قطع نصف الطريق في اتجاه التفاهم على تسوية في الملف الرئاسي تخرج من حلبة السباق مرشحي الفريقين الاساسيين.
وفي حين تعتبر مصادر سياسية ان مبادرة 14 آذار خاطبت فريقها اكثر مما خاطبت الفريق الآخر عندما جددت التزامها احترام المهل الدستورية لإنجاز الانتخابات النيابية، فيما كان تردد عن تفاهم على التمديد للمجلس كُشف عنه عقب لقاء الرئيس سعد الحريري برئيس المجلس نبيه بري، فإن هذه المصادر ترى أن غرق البلاد في المواجهة الدامية مع تنظيم "داعش" وما نجم عنه من خطف لعسكريين، وتهديد للسلم الاهلي والاستقرار، قد استحوذ على كامل المشهد السياسي نظرا الى حجم الاخطار الكبيرة التي ينطوي عليها، كما استغرق كل الوقت والجهد المطلوبين لإعداد العدة لإجراء الانتخابات، تماما كما هو حاصل بالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي. وهذا ما يدفع الامور – وقد باتت البلاد على مسافة أقل من شهرين من انتهاء ولاية المجلس منتصف تشرين الثاني المقبل- الى جعل قرار التمديد أمرا واقعا يفرض بدوره واقعاً جديدا لا بد من التعامل معه من زاوية مختلفة أقل قلقاً وأكثر اطمئنانا بالنسبة الى الكتل النيابية.
فتمديد معادلة توازن القوى القائمة حاليا عبر المجلس النيابي سيخفف الضغط حيال هذا الملف بحيث تطوى صفحته، لتُفتح صفحة الاستحقاق الرئاسي. وبحسب ما تردد عن لقاء عون - نصر الله، فإن زعيم التيار البرتقالي لا يبدو في وارد مقاطعة التمديد، بل الاكتفاء برفضه.
وعليه، فإن أمام لبنان فترة من الوقت الضائع قبل نضج ظروف التسوية الرئاسية يشغلها ملف العسكريين، الذي سيكون مادة اساسية على جدول اعمال الزيارة الرسمية المقررة لرئيس الحكومة تمام سلام لقطر الاحد المقبل. والمعلوم ان هذه الزيارة كانت تقررت مسبقا ضمن برنامج الزيارات التي يقوم بها سلام، وقد انجز محطتين منها أولاهما في المملكة العربية السعودية والثانية في الكويت.
وعلم ان ملف العسكريين لن يغيب عن محادثات سلام مع القيادة القطرية والمسؤولين فيها، وخصوصا بعدما تم الكشف عن الوساطة التي تقوم بها مع التنظيم المسلح. والمعلوم ان المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم كان سبق سلام في زيارة غير معلنة للدوحة في السياق عينه.