لماذا يتيه الميِّت..؟ ويهرب إلى أمكنة قصيَّة ومضلمة ، ويبقى نائماً رغم أنه لا يُبصر الشوارع وربطات العنق والأحذية والوجوه والأقنعة ، ولا يُميِّز بين يسارٍ ويمينٍ ولا يعرف كيف يأتي الكيف ولا يشرب االكحول المُصنَّعة في أقبية الكنائس ، ولا يمجُّ سحائب السجائر المستوردة... لأنه وطني ولدته أمُّه أثناء الحرب الأهليَّة وخلف أكياس الرمل...أربعون عاماً ونحن مسمَّرين أمام الحائط تمرُّ من حولنا كل الكائنات والأرصفة والطرقات وجدران الوطن يرسمه السراب وظلاله مثل نخيل الليل ، مُخدَّد الوجع والمُقنَّع بالدم والبُصاق ، والمذبوح بسكين السماء، والمكوي بنيران الحقد ، والمثقل بأهداب العجز والشيخوخة يقطر حزناً وألماً...يداك يا وطني مسمَّرتين ومصلوبتين على خشب الصليب في كل يومٍ يطعنوك بحربةٍ ولا يهدأون ساعة واحدة على جرح قلوبنا بصواعقهم المحرقة التي يمطرونها علينا من سماء المنابر والمطارق الدينية والسياسية...ربما يتراءى لنا أنهم ملائكة منزلين من السماء ، وربما شياطين من الشيطان الرجيم ، وما زالت عاديات الأيام تلتفُّ حول أعناقنا إلتفاف الحيَّة بالعنق لا بقاء لنا ولا نجاة ، في طننا ليلٌ داجنٌ قد غابت كواكبه وغارت نجومه وما زلنا واقفين وقفة الحائر لا نسمع إلاَّ الفحيح والزئير ، إن اقتربنا فطريقنا ضالٌّ ، وإن أقحمنا فلا مجال ، وإن وقفنا نصبح فريسة المفترس ولقمة الآكل ومضغة الزعيم..يزداد في وطننا رؤوساء وحماة ، وتتعدَّد فيه القيادات والأحزاب وتستحكم فيهم حلقات البأس ولم يتفقوا على شأن من شؤون الوطن وشعبه ، إلاَّ على وضع حبل في أعناقنا قد أخذت كل جبهة منهم بطرفٍ يجذبونه جذبة المستميت وهم ينظرون إلينا نظرة اللاعب المداعب ونحن نعلم لم يتركوه حتى يفرِّقوا بين رؤوسنا وأجسادنا...يا حماة الوطن والقادة والزعماء أي خيرٍ تطلبوه للوطن بلا أمنٍ وأمانٍ بلا تأمين الحاجات الضرورية من تعليم وطبابة من كهرباءٍ وماءٍ وأنتم تعلمون أنَّ دمنا يُعرض للبيع إغزلوا واغرفوا ما شئتم من أشلائنا لأنكم لا تعرفون الذُّل الذي يعانيه شعبكم...يا قمَّة الهرم السياسي والديني فلستم مضطرين إلى دفع أقساط المدارس والمستشفيات أو دفع قارورة غازٍ أو صفيحة بنزين..سفراتكم ورحلاتكم كونها كلها على حساب الشعب..أيُّ خيرٍ تطلبوه لنا وقد فرَّقتم شعبه شِيَعاً وصيَّرتموه أحزاباً وألقيتم فيه البغض والكراهية فتناثرت الوجوه وامتلئت الصدرور حقداً والقلوب حذراً...أليس كل ذلك من صنيعة سياستكم وصنيعة أيديكم وجناية تبعيتكم..لو تركتم هذا الشعب وحاله وشأنه ، وخليتم بينه وبين فطرته وإيمانه لما تباعد الشعب وتباغض واختلف ، ولا يوجد من تحدِّثه نفسه بمقاطعة أخيه في بلده ووطنه..إنَّ هذا الشعب هو أقرب إلى بناء حياته ووطنه وهو القريب من الله تعالى لأنه يستقبل الفجر ساعياً وراء عيشه ورزقه ، وهو يغسل نهاره بعرق الحلال والعافية والتعب....الشيخ عباس حايك