في اليوم الخامس من الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، بدا المشهد برمته شبيهًا بذلك الذي ساد لبنان صيف العام 2006 مع فارق جذري وهو أنّ المنطقة العربية لم تكن تمرّ بأزماتها الراهنة على عكس اليوم حيث الدول العربية منشغلة بهمومها الداخلية وبربيعها العربي فيما تنشغل الدول الكبرى بالإعداد للتسوية على وقع النار المشتعلة ما يدفع إلى الاعتقاد بأنّ ما يجري في غزة ليس معزولا عن التحولات الكبرى ولا عن الخريطة الجيوسياسية التي تبصر النور في ظلّ مخاض عسير للغاية قد لا ينتهي إلا بعد عمليات قيصرية من شأنها أن تعيد القطار الى سكته بعد أن تحول عن مساره لمصلحة المجموعات التي تتخذ من التطرف المزعوم عنوانا لتحركاتها.
وفي وقتٍ يعيد المشهد العسكري والميداني إلى إلذاكرة نتائج الحرب الاسرائيلية الاخيرة على لبنان، يشكك الخبراء والدبلوماسيون بقدرة اسرائيل على تحقيق أهدافها المعلنة في غزة، ويرجّحون اكتفاءها بالاستعراض العسكري وعرض العضلات من دون مقاربة التوغل البري لحسابات سياسية وعسكرية لا تخلو من الخطورة في ظل التحولات الراهنة، علمًا أنّ هدفها الحقيقي ليس العودة إلى احتلال القطاع بعد تسع سنوات من خروجها منه، بل تحقيق حسابات مستقبلية طويلة الامد تبدأ من اكتشاف الغاز الطبيعي على شواطىء غزة مرورًا بتطلعات الحكومة الاسرائيلية إلى إجهاض الاتفاق الفلسطيني الفلسطيني بعد تحميل حركة حماس التي لا تعيش احسن حالاتها بعد ان انخرطت ولو بشكل جزئي في الحربين السورية والمصرية نتائج عملية "الجرف الصامد" التي أطلقتها إسرائيل بعد مشاورات مع الحكومة الاميركية ومروحة التحالف الاوروبي الاوسع، وليس انتهاء بحسابات الحرب الديمغرافية والاقتصادية التي تشغل اسرائيل وترعبها بعد نتائج الدراسات التي أصدرتها الاجهزة العبرية المتخصصة والتي تؤكد أنّ التوازن الديمغرافي بين الفلسطينيين المقيمين في الداخل الاسرائيلي واليهود سيختل في غضون السنوات العشر المقبلة لمصلحة الفلسطينيين مع ما يعنيه ذلك من تحولات وتقلبات يمكن ان تحصل تحت عناوين الديمقراطية العددية.
وفي هذا السياق، تذهب الدبلوماسية الغربية إلى حدّ الاعتقاد بأنّ هدف إسرائيل الفعلي هو تشديد الحصار البحري على غزة وإبعاد حركة حماس عن الساحل تمهيدًا للاعلان عن اكتشاف آبار غاز جديدة قبالة القطاع وفتح الباب أمام الشركات المستثمرة للبدء بعمليات المسح والتنقيب بعيدا عن خطر "حماس" وأعين السلطة الفلسطينية على حد سواء، وذلك انطلاقا من مبدأ الاستمرار بفرض حصار اقتصادي خانق على الحكومة الفلسطينية بما يمنعها من تشكيل نواة دولة حقيقية ولو على جزء لا يتعدى الاثنين بالمئة من مجمل مساحة فلسطين.
لكن السؤال بالنسبة لهؤلاء يبقى ما إذا كانت حسابات حقل  اسرائيل ومعها واشنطن ستنطبق على بيدر المحور المقابل في ظل مفاجأت تتسارع على أكثر من صعيد. بيد ان علامة الاستفهام تكبر حول ما اذا كانت المخابرات العسكرية الاسرائيلية قد تفاجأت فعلا بحجم الترسانة الصاروخية لدى حركة حماس أو بالاحرى المقاومة الفلسطينية  أم أنها اوعزت الى الجيش الاسرائيلي بشن حرب وقائية لعدم تعزيز القدرات خصوصًا أنّ نوعية الصواريخ وكميتها التي استخدمتها المقاومة الفلسطينية لا يستهان بها نظرا للحصار المفروض عليها فضلا عن خطوط التموين المعتمدة من قبل المقاومة الفلسطينية والدول التي تزودها بالصواريخ اي سوريا وايران. ويبقى أنّ المعادلة لم ولن تتغير حول مفاهيم الربح والخسارة وما اذا كانت "حماس" وحلفاؤها قادرين على عرقلة المشروع الاسرائيلي واجهاض النتائج المطلوبة من الحرب وهي اولا واخيرا السيطرة الكاملة والمطلقة والطويلة الامد على سواحل غزة.