ليس من باب الصدفة أن يخرج "الخليفة" أبو بكر البغدادي من مخبئه "الداعشي" ليتحوّل إلى خطيبٍ بواحدٍ من أكبر مساجد الموصل وأهمّها وأكثرها رمزية ليوجّه رسائل تهديد في كل اتجاه خصوصًا إلى الملوك العرب، ولا هي مصادفة أن يعلن مسؤولٌ في الخارجية الروسية بعد ساعاتٍ قليلةٍ أنّ موضوع أوكرانيا هو مسألة أسابيع قليلة، ولا هو التزامن الذي أدّى إلى سقوط "جيش الإسلام" بقيادة زهران علوش في معركة الأرياف الدمشقية أمام "داعش" في مقابل الزحف السريع للجيش السوري في حلب. فكلّ هذه النظريات والتكهنات تسقط أمام دقة الأجندات الدولية التي كشف تقريرٌ دبلوماسيٌ اطلعت عليه "النشرة" في بيروت عن أحد جوانبها المتعلقة باتصالاتٍ سريعةٍ ومفاوضاتٍ أسرع بين الدبلوماسيتين الروسية والأميركية أدّت بنتيجتها إلى تفاهماتٍ بينهما، أبرزها ضرورة إنهاء الوضع الشاذ في أوكرانيا قبل أن يتورّط الأوروبيون أكثر في هذا الملف الشائك الذي سقط بنظر هؤلاء إلى المراتب الدنيا بعد أن بدأ الإرهاب يقرع أبواب القارة العجوز التي تعتزم أصلا الخروج من الرمال الأوكرانية الروسية المتحركة قبل نهاية الصيف الجاري حيث تشتدّ حاجة الدول الأوروبية إلى الغاز الروسي وبالتالي ضرورة التفاهم معها بعد أن جمعت مصيبة الارهاب الضارب بين هذه المكونات.
ويشير التقرير إلى أنّ الاتصالات الروسية الأميركية  الناشطة  خلصت إلى ضرورة السير قدمًا بالنظرية الروسية القائلة بضرورة إنهاء ظاهرة الارهاب لا سيما أنّ التجربة الروسية مع جورجيا والشيشان أثبتت صحة الطرح الروسي كما حظيت بموافقة المجموعة الارهابية وبالتالي فإنه من غير المستبعد أن تكون تطورات وأحداث الساعات الاخيرة هي نتيجة لهذا التوافق في ظلّ اعتقاد تطرّق إليه التقرير جازمًا بأنه من غير الممكن أن يظهر البغدادي بهذا الشكل من دون علم المخابرات الأميركية التي تتحكم بكلّ شاردة وواردة في العراق من خلال الأقمار الاصطناعية القادرة حكما على كشف المستور، خصوصًا أنّ البغدادي أخذ وقته كاملا للخروج من مقره ومن ثم التوجه إلى المسجد وتوجيه رسائله وتهديداته في أكثر من اتجاه، ما يعني تكرارًا لمشهد سيطرة الدولة الاسلامية في العراق والشام على الموصل وتوقفها عند حدود آبار النفط.
ويلفت معدّو التقرير إلى أنّ المعادلة الراهنة تحوّلت إلى عنوانٍ وحيدٍ وهو مجموعة دول في مواجهة إرهاب "داعش" في ما يشكل المخرج للجميع من دون استثناء ولواشنطن قبل سواها. فالحرب السورية بمتفرّعاتها تحولت إلى مواجهة بين نظام الرئيس الاسد وتنظيم "داعش" وهذا ما يفسّر سرعة الجيش السوري في الحسم بحلب وتصويب وجهته باتجاه الأرياف التي كانت داعش قد أعلنتها امارة اسلامية وأعلنت البيعة للبغدادي بعد أن أزال الحدود الجغرافية بين العراق وسوريا، وكذلك الامر بالنسبة للعراق الذي بدأ بشن هجمات ارتدادية  بهدف استعادة المبادرة بعد أن دفع برئيس الوزراء نوري المالكي إلى الاستعانة بالخبراء الايرانيين والروس في مواجهة "داعش" والحد من انفلاشها من خلال إبعادها عن الاماكن الحساسة والمراكز الكفيلة بتفجير حرب سنية شيعية كاملة وممتدة على مساحة العالمين العربي والاسلامي في ظل ميزان قوى ما زال يميل الى ايران التي تعرف جيدا كيف تمتص الصدمات وتحولها إلى أوراق رابحة توظفها في ملفات حيوية واستراتيجية على غرار النووي او الاستمرار بالتحكم الكامل بمضيق "هرمز" الاستراتيجي وسواها من مكاسب عسكرية وأمنية.
وبكل الأحوال، يبدو أنّ مشهد التوافق الروسي الاميركي لم يغب بالكامل عن سائر الدول الاقليمية المعنية بمكافحة الارهاب، فسيطرة الحوثيين على معاقل المتشددين في عمران تشكل بداية للتقدم باتجاه الحدود السعودية في ضغط ايراني جديد على السعودية علها تنتظم بالحرب على الارهاب وتوقف تمويلها للتنظيمات التكفيرية والوهابية والسلفية مجتمعة، وذلك بحسب التقرير نفسه.