صحيح أن اقتراح رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون الداعي إلى انتخابات رئاسية مباشرة من الشعب قد قوبل بالكثير من البرودة في أوساط خصومه، كما في أوساط حلفائه، بما يدل على عدم أخذ هؤلاء الاقتراح بجدية، لكن هذا لا يقلل من أخطاره.

 

ترى مصادر سياسية مطلعة ان من الخطأ وضع الاقتراح في إطار الاستنتاج أنه النتيجة الحتمية لفقدان الجنرال حظوظه بتبوؤ سدة الرئاسة من خلال طرح نفسه رئيسا توافقياً يمكن أن يحظى بتوافق سياسي، مما دفعه الى خيار بديل توجه فيه الى القاعدة الشعبية بقطع النظر عن المخاطر المترتبة على مثل هذا الخيار.

 

صحيح ان اللجوء الى طرح البدائل يفسر اللهاث الحثيث للزعيم البرتقالي إلى استنفاد كل فرصة متاحة أمامه للوصول الى قصر بعبدا، خصوصا أن فرصة الرئاسة اليوم قد تكون الاخيرة وقد لا تتكرر، لكن خطورة الامر تكمن بحسب المصادر في أن عون الذي يسخّر كل الوسائل لتعبيد طريقه الى بعبدا، يهدد بتغيير النظام السياسي في البلاد في مرحلة هي الادق والاشد خطورة بالنسبة إلى لبنان، في زمن التحولات الاقليمية الكبيرة التي تعيد رسم خريطة المنطقة، بحيث يبدو الطرح العوني جزءاً من هذه التحولات، خصوصا إذا أُخذت في الاعتبار الدعوة التي وجّهها قبل عامين الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله الى عقد مؤتمر تأسيسي ينظر في بناء الدولة القوية.

 

فالتعديل "المحدود" الذي تحدث عنه عون يرمي إلى نسف المبدأ الاساسي الذي ينص عليه الدستور اللبناني، والقاضي باعتبار لبنان "جمهورية ديموقراطية برلمانية، تقوم على مبدأ احترام الحريات العامة، والشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية. كما ان النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها".

 

وسألت المصادر إذا كان عون يريد من اقتراحه الركون إلى الشعب لانتخابه، فهو سيكون أمام أكثر من معضلة تشكل خطرا حقيقيا على لبنان النظام والوجود المسيحي: الاولى أنه سيكون في مواجهة أكثر شراسة مع خصمه الى الرئاسة حزب "رئيس القوات اللبنانية" سمير جعجع. والمعركة في حينها لن تكون ديموقراطية تحت قبة البرلمان، بل ستحتكم إلى الشعب أو إلى القواعد الحزبية بمعنى آخر، بما يعيد التذكير بحرب الالغاء الاولى التي خاضها الرجلان قبل عقدين ونصف عقد، ويكرس حرب إلغاء ثانية.

 

اما المعضلة الثانية، فهي أن عون بطرحه هذا سيكرس الرئيس المسيحي بأصوات المسلمين. ذلك انه سيكون للجناحين السني والشيعي صوتهما الحاسم في نتيجة الانتخاب انطلاقا من الاكثرية العددية التي ستحكم المشهد الانتخابي.

 

أما المعضلة الثالثة والاخطر، فتتمثل في أن الطرح العوني سيعبد الطريق أمام مشروع المثالثة الذي بشَّرت به دعوة الامين العام لـ"حزب الله" الى المؤتمر التأسيسي لمناقشة سبل بناء الدولة القوية.

 

وخطورة هذا الامر أن الطرح يأتي من الجهة المسيحية التي تصف نفسها بأنها الاقوى والاكثر تمثيلا، بحيث لا تأتي الاصوات من الفريق الذي يعتبر نفسه "مغبونا" من جراء اعتماد مبدأ المناصفة، فيما تجهد بكركي والقيادات المسيحية "العاقلة" في اتجاه التمسك بالمناصفة وبدستور الطائف الذي يكفلها.

 

وأكثر ما تخشاه المصادر المشار اليها من الطرح العوني، الذي يأتي في زمن الشغور وتعطل انضاج تسوية على رئيس جديد، أن يكون الرئيس ميشال سليمان آخر الرؤساء الموارنة!