بدا المشهد السياسي والأمني في البلاد كأنه يعود بعقارب الساعة إلى ما قبل مرحلة تأليف الحكومة، وكأنه فقد المظلة الاقليمية والدولية التي رعت هدنة الاشهر الاربعة الماضية وتحديدا منذ 19 شباط الماضي تاريخ آخر تفجير إنتحاري إستهدف السفارة الايرانية والذي جاء بعد أيام قليلة على تأليف حكومة الرئيس تمام سلام.

 

فمسلسل التفجيرات عاد مجددا ليستهدف مناطق نفوذ "حزب الله"، فيما عادت طرابلس مسرحاً للإضطرابات مما يهدد الاستقرار فيها. أما على المسرح السياسي، وفيما يبقى ملف الانتخابات الرئاسية عالقا في عنق زجاجة تعطيل النصاب، تخوض الحكومة اليوم إختبار آلية ممارستها صلاحيات رئيس الجمهورية المنوطة بها وكالة بسبب شغور الرئاسة، وذلك بعد 3 جلسات عقيمة فشلت في التوافق على الآلية المشار إليها.

 

لا تستبعد مصادر وزارية مطلعة أن تنجح الحكومة في تجاوز قطوع الآلية والانطلاق الى تفعيل عملها عبر التوافق على ان تقوم مجموعة من الوزراء ( ترفض مكونات الحكومة اعتبارها لجنة وزارية) بالتوقيع وكالة عن رئيس الجمهورية، وذلك على رغم التحفظات التي أبرزتها أوساط سياسية عن عدم دستورية هذا المخرج، ومساسه بالتوازن الطائفي وصلاحيات الرئاسة ورئاسة الحكومة.

 

ومرد الأجواء الايجابية إلى مجموعة عوامل وأسباب يمكن ذكرها كالآتي:

- الأوضاع الامنية المستجدة تستدعي في رأي المصادر تفعيلا لعمل الحكومة التي يعود اليها القرار السياسي في أي خطوة أو إجراء ستلجأ إليه القوى الامنية. وما يعزز هذا التوجه أن الثنائي الشيعي الذي يدعم رئيس "تكتل التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون في موقفه الرافض لتسيير آلية العمل الحكومي، بدأ يتحسس مخاطر الاستمرار في هذا الدعم خصوصا وأنه بات عاجزاً عن تغطية التعطيل المتمادي للحكومة والذي ينعكس في الوقت عينه تعطيلا للسلطة التشريعية من جهة، وانفلاتا أمنياً من جهة أخرى.

 

- ثمة ملفات عالقة لم يعد في وسع وزراء 8 آذار تحمل وزر تأخيرها ولا سيما أن وراءها مصالح إنتخابية لها علاقة بالقاعدة الناخبة.

 

- هناك استحقاقات مالية داهمة لا تتعلق فقط بملف سلسلة الرتب والرواتب المعلق في الجلسات المفتوحة للمجلس النيابي، وإنما تتعلق بالمالية العامة للدولة. وينقل زوار عن وزير المال علي حسن خليل قلقه حيال مسألتين من شأنهما، إذا لم تتم معالجتهما في وقت سريع أن تؤثرا جديا على المالية العامة.

 

المسألة الاولى تتعلق بعدم توافر إعتمادات كافية لتغطية رواتب القطاع العام بعدما إستنفدت الاعتمادات المغطاة بقانون الانفاق الاضافي (فوق القاعدة الاثني عشرية). وتفيد مصادر مالية مطلعة أن وزارة المال قادرة، بالاعتمادات المتوافرة لديها، على أن تغطي الرواتب حتى تموز المقبل. ويرفض وزير المال أي إنفاق غير مغطى بقانون.

 

أما المسألة الثانية فتعود إلى انتهاء مفاعيل القانون الذي يجيز للحكومة الاستدانة بالعملات الاجنبية ( وهو لمدة 3 سنوات) ويحتاج إلى قانون لتمديد مفاعيله. وفي كلا الحالين، هناك حاجة ماسة إلى جلسة تشريعية لإقرار القانونين المشار إليهما. علماً أن ثمة عقبة تعوق إقرارهما، وتتمثل في ضرورة إنجاز التسوية المالية العالقة لحسابات الاعوام الماضية. فبعدما تم إنجاز قطع الحسابات حتى عام 2012، لا تزال مشكلة الانفاق من خارج القاعدة الاثني عشرية عالقة وتحتاج إلى تسوية لا يبدو أن في الافق ما يؤشر لمعالجة قريبة لها.

 

وتؤكد المصادر الوزارية أن "حزب الله" و"أمل" يأخذان هذه الحسابات في الاعتبار، من هنا، يبدوان أكثر قرباً نحو تسهيل عمل الحكومة وتفعيله وتفعيل عمل المؤسسات، ويجري الضغط على الحليف العوني من أجل السير بالتسهيل.

 

وعليه، لا تستبعد المصادر أن تسير الحكومة اليوم في الآلية القاضية بأن يوقع وزير عن كل قوة سياسية في الحكومة، على القرارات الحكومية.

 

وإذا كانت جلسة اليوم في إطار إختبار حسن النيات على قاعدة جدول أعمال عادي خالٍ من أي مواد شائكة، فإن الاختبار الحقيقي سيكون في الجلسة اللاحقة وما يمكن أن تحمله من بنود على جدول أعمالها. علماً ان ثمة استحقاقا ينتظر الحكومة ويتمثل بالوعد الذي قطعه وزير التربية الياس أبو صعب للمعلمين بأن يطرح قضيتهم من خارج جدول أعمال أول جلسة يعقدها مجلس الوزراء!