لا يزال يتكرر في أوساط رسمية وسياسية وشعبية طرح السؤال الآتي: لماذا لم يسمِّ الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله المرشح المسيحي القوي للرئاسة في كلمته التأبينية كما فعلت قوى 14 آذار، واكتفى بتوصيفه والدعوة الى انتخاب هذا المرشح المجهول؟ ومعلوم ان المرشحين الاقوياء هم: العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع والرئيس امين الجميل والنائب سليمان فرنجيه والوزير بطرس حرب. فمن من هؤلاء يريد السيد نصرالله انتخابه رئيساً للبلاد.

لذلك على نواب "حزب الله" ومعهم نواب "التيار الوطني الحر" اذا كانوا فعلاً ضد الشغور الرئاسي الذي قد يفتح الباب لفراغ كامل في الدولة، أن يحضروا جلسات انتخاب رئيس الجمهورية لا ان يستمروا في تعطيل نصابها، وهو ما لم يكن يحصل في الماضي باعتبار ان حضور النواب هذه الجلسات هو واجب وطني ويحميه الدستور، وليست جلسات مخصصة لدرس مشاريع يمكن التغيب عنها وتأخير اقرارها، بل هي مخصصة لانتخاب رئيس للجمهورية ضمن مهلة دستورية محددة، اذا ما مرّت فان اعلى منصب في الدولة يصبح شاغراً. واذا كان الدستور لحَظ انتقال صلاحيات الرئاسة الاولى الى مجلس الوزراء مجتمعاً لملء هذا الشغور مؤقتاً، فان ما لحظه في هذا الشأن ليس كافياً اذ ان الشغور الرئاسي قد يقع ولا وجود لحكومة، واذا وجدت فان الخلاف يدب بين اعضائها حول كيفية ممارسة هذه الصلاحيات، وهو ما يحصل حالياً، عدا اعتراض الزعماء الموارنة على ذلك وخشيتهم من ان تحل الحكومة محل الرئاسة الاولى ويصبح الموقت دائماً، الامر الذي يشكل انتهاكاً للميثاق الوطني لأن ركناً مهماً من مكوناته قد غيّب، كما يشكل مخالفة لنص دستوري يدعو الى "الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة بدون مناقشة اي عمل آخر".
هل نواب "حزب الله" مستعدون مع نواب العماد عون لحضور جلسات انتخاب رئيس الجمهورية، والتوقف عن لعبة التغيب بقصد تعطيل نصابها مشترطين لتأمين هذا النصاب الاتفاق مسبقاً على مرشح بمواصفات معينة وهي ليست متوافرة بمرشح واحد، عدا أن هذا الشرط يتعارض ونص الدستور الذي جعل انتخاب الرئيس يتم بالاقتراع السري وليس بالاقتراع العلني أو برفع الايدي وذلك حرصاً على ارادته أن تبقى حرة وعدم جعلها مقيدة ومكبلة ولا تعبّر عن حقيقة رأيه. فإذا كان "حزب الله" هو فعلا ضد الفراغ في أعلى منصب ماروني في الدولة فما عليه سوى دعوة نوابه مع نواب "تكتل التغيير والاصلاح" لحضور جلسات انتخاب الرئيس وترك الكلمة الفصل للاكثرية النيابية، خصوصا إذا صح القول ان لا كلمة لخارج مشغول بغيرنا... فكل مرشح يوصف بالقوي ولا ينال هذه الاكثرية فهو ضعيف وطنياً وان كان قوياً في طائفته بدليل أن اركان "الحلف الثلاثي" الذين كانوا أقوياء في طائفتهم لم يتمكن أي منهم من الفوز بالرئاسة الاولى، لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على الاكثرية النيابية المطلوبة.
وبكركي التي أعطي لها مجد لبنان قد لا تسكت ولا تظل متفرجة ليس على فقدان أعلى منصب ماروني في الدولة، بل على انهيار الدولة وربما انهيار كيان لبنان خصوصاً على أيدي موارنة هم بُناته ثم يبكون رئاسة اضاعوها بخلافاتهم وانقساماتهم وتفرقهم. فلكي تظل بكركي محافظة على المجد الذي أعطي لها والموارنة على دورهم في وجود لبنان الصغير ثم الكبير، ينبغي الدعوة الى اجتماع ماروني موسع يحضره مجلس المطارنة والقادة الموارنة ورؤساء المؤسسات في الطائفة للبحث في موضوع الشغور الرئاسي الحاصل واتخاذ القرارات التي تمنع استمرار هذا الشغور وذلك بطلب الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة بدون مناقشة أي عمل آخر كما نصت المادة 75 من الدستور. ولكي يتم ذلك ينبغي الفصل بين نصاب جلسة الانتخاب ومباشرة عملية الاقتراع السري لانتخاب الرئيس، فتأمين النصاب هو واجب وطني مقدس وهو ما تقضي به الديموقراطية ولا يجوز التلاعب به لأهواء سياسية أو حزبية أو شخصية. أما عملية الاقتراع السري فهي التي تعطي للنائب حق الاقتراع لأي مرشح وحق إلقاء ورقة بيضاء في الصندوق. اما تعطيل النصاب لمنع انتخاب رئيس في أعلى منصب في الدولة فلا الديموقراطية تقره ولا الدستور، وان على معطّلي النصاب أن يتساءلوا لماذا تجرى الاستشارات لتسمية رئيس للحكومة بسلاسة وبصورة طبيعية وكذلك انتخاب رئيس لمجلس النواب ولا كلام على تعطيل إلا عندما يحين موعد انتخاب رئيس الجمهورية وهو أعلى منصب في الدولة مخصص للموارنة.
الواقع ان المصيبة الكبرى هي في ان من يقاطع جلسات الانتخاب هم بكل أسف نواب موارنة يدّعون الحرص على هذا المنصب، ثم يهدمونه بأيديهم ويبكون عليه... فليس سوى بكركي على مر التاريخ من يصحح أخطاء السياسيين، فهل تقدم؟