لو أن بعض المسؤولين والسياسيّين يعاملون وطنهم لبنان كما يعامله الأشقاء والأصدقاء، لما كان في حاجة إلى طلب مساعداتهم، ولا التسوّل. ولو أنّهم يفصلون بين خلافاتهم السياسيّة والحزبيّة وحتّى الشخصيّة وبين تنفيذ خطط النهوض بلبنان في شتّى المجالات ومباشرة تنفيذ قرارات مؤتمر “سيدر” بأسرع وقت ممكن بعيداً من أي تسييس لها، وهو ما يحصل غالباً، لما كان الأشقّاء والأصدقاء فضلاً عن رجال الدين الكبار يضطرّون إلى تحذيرهم من مغبّة ما يفعلون.

لقد خشي الناس غير مرّة ألّا تظل المظلّة الدوليّة تحمي الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي في لبنان وسط منطقة مُشتعلة بالمشاكل والقلاقل ووسط خلافات داخليّة تولّد الأزمات المرعبة، لكن هذه المظلّة ظلّت، لحسن الحظ، مرفوعة فوق رأس لبنان ليس كرمى لحكّامه، بل كرمى للبنان بالذات ليبقى وطن الرسالة كما وصفه بابا الفاتيكان، وملتقى للحوار والوفاق لا ساحة للصراع والقتال.

والسؤال المطروح هو: الى متى يظل أشقّاء لبنان وأصدقاؤه يحبّونه أكثر من بعض حكّامه وسياسيّيه ويفصلون بين المساعدات التي هو في حاجة ملحّة إليها وبين الخلافات الداخليّة حتّى على أتفه الأمور؟

لقد بات مطلوباً من المسؤولين والسياسيّين في لبنان أن يُساعدوا أنفسهم كي يُساعدهم الأشقّاء والأصدقاء، وأن يضعوا خلافاتهم جانباً ويعملوا على النهوض بالوطن في شتّى المجالات، فالمساعدات التي خصَّصها مؤتمر “سيدر” للبنان هي فرصة لاختبار صدق وطنيّتهم ومدى استعدادهم للتضحية بمصالحهم من أجل مصلحة لبنان. فعوض أن يُضيّعوا الوقت على المماحكات والخلافات والسجالات حول أمور لا طائل منها، فليبادروا إلى وضع جدول زمني بالمشاريع المطلوب تنفيذها لاستعادة ثقة الناس بهم، وللتأكيد أن الحكومة هي فعلاً حكومة “إلى العمل” لا حكومة “خناقات” وتضارب مصالح وتقاسم مكاسب لتصبح حكومة بلا عمل إذا تكرّر في كل جلسة لمجلس الوزراء ما حصل في الجلسة الأولى التي انعقدت، فكانت مخيّبة لآمال الناس، إذ اضطرّ الرئيس ميشال عون إلى رفعها لوقف سجال لا طائل منه، وهذا لا يُشكّل حلّاً للمواضيع المُثيرة للخلاف إنّما تأجيلاً لها، حتّى إذا تكرّر رفع الجلسات من دون حسم الخلاف على هذه المواضيع، فإن الحكومة لا تُصبح بلا عمل فحسب بل قد تنفجر من الداخل لوجود قلوب ملآنة بالحقد والكراهية، والتي لا ينفع معها الضرب على الطاولة ورفع الجلسات بل تُصبح الحاجة إلى قلب الطاولة…

فهل تعقد حكومة “إلى العمل” العزم على العمل فتباشر تنفيذ مشاريع “سيدر”بعيداً من التسييس والسجال والخلافات كي يستحق لبنان مساعدات الأشقّاء والأصدقاء، ويرى الناس لبنان بعد سنة غيره من قبلها؟ وإذا ما استمرّ السجال والخلاف بين الوزراء في كل جلسة فتُرفع لوقفهما، فإنّها قد تكون الحكومة الأخيرة التي لا حكومة بعدها ولا حكم، لا سمح الله!