يجمع اللبنانيون على المطالبة بعودة النازحين السوريين الى بلدهم، إلا أنهم مختلفون على الوسيلة وعلى أي جهة هي الأقدر على تأمين هذه العودة. فثمة من يرى أن الاتصال بالسلطات السورية يساعد على ذلك، وثمة من يخشى أن يشكل هذا الأمر خطوة على طريق تطبيع العلاقات مع سوريا قبل أن تتخذ جامعة الدول العربية قراراً في شأن عودتها الى الجامعة، عدا أنه يثير خلافاً لبنانياً ومخاوف من أن تقابل عودة النازحين بعودة النفوذ السوري الى لبنان. ثم أن السلطات السورية لو أنها كانت قادرة على اعادة النازحين لما كانت روسيا وضعت خطة لعودتهم ولا يزال تنفيذها متعثراً لأسباب شتى.
لذلك مطلوب من الحكومة اللبنانية وضع خطة تؤمّن عودة النازحين السوريين الى بلدهم بالتوافق مع كل الجهات المعنية تسهيلاً لتنفيذها، أو العودة الى الخطة الروسية والعمل على تذليل العقبات التي تعترض تنفيذها. فإذا تبين أن لا عودة قريبة للنازحين السوريين فعلى الحكومة عندئذ ان تنظم لجوءهم وتراقب الأمن في مناطق وجودهم كي لا يتكرر الخطأ الذي وقع مع اللاجئين الفلسطينيين عندما قبل لبنان دخول أعداد كبيرة منهم ظناً منه أنهم عائدون خلال وقت قصير، واذ بهذه العودة تصبح شبه مستحيلة، وطول الوقت يفرض توطينهم حيث هم لأن إسرائيل قطعت عليهم طريق العودة ببناء المستوطنات على أرض فلسطينية محتلة أو مصادرة. ولأن اللاجئين الفلسطينيين وُزّعوا عشوائياً على مناطق عدة في لبنان وليس على مناطق معينة كي يسهل على الدولة اللبنانية مراقبة الأمن في مخيماتهم، واكتفت بمنع دخول مواد البناء الى المخيمات كي لا تتحول مساكن لإقامة طويلة… فكانت النتيجة أن الأسلحة هي التي دخلت اليها فتحوّلت المخيمات ثكناً تعتدي على سلطة الدولة اللبنانية وسيادتها، وتثير الحساسيات في بعض المناطق وتحصل تحرشات أدت الى حرب داخلية في لبنان كان ثمنها غالياً عليه. فلكي لا يقع لبنان في تعامله مع النازحين السوريين في الخطأ الذي وقع فيه مع اللاجئين الفلسطينيين، فمطلوب من الحكومة عدم تسييس عودة النازحين السوريين الى بلدهم وإثارة الخلافات، بل العمل الجدي والحثيث على تأمين هذه العودة بالاتفاق مع كل جهة معنية لأن ليس في مقدرة أي جهة بمفردها تفعل ذلك.
لقد أعلن الرئيس ميشال عون أنه يشعر بعدم وجود اهتمام دولي بعودة النازحين السوريين الى بلدهم، وهو الشعور نفسه الذي عبَّر عنه الفاتيكان لمسؤولين لبنانيين. فلا يكفي اذاً القول إن الرئيس بشار الأسد يريد عودتهم كي يعودوا، والا لما كانت روسيا وضعت خطة لها ولا يزال تنفيذها متعثراً ربما نتيجة صراع على النفوذ في المنطقة وفي سوريا بالذات. فأميركا مثلاً قد لا تريد عودة النازحين السوريين الا بعد التوصل الى حل للحرب في سوريا كي تكون هذه العودة آمنة ولا يشعر أي عائد بالخوف. وقد تريد اميركا ايضاً أن تواكب عودتهم إعادة بناء ما تهدم كي يعود النازحون بكرامة الى منازلهم وليس الى مخيمات وإنْ على أرضهم لئلا يحرموا المساعدات التي يتلقونها وهم على أرض غيرهم، فيفضلون عندئذ البقاء حيث هم.
إن على الحكومة أن تطرق كل الأبواب القادرة على تأمين اعادة النازحين السوريين الى بلدهم لأنها كلما طالت أصبح خطر توطينهم داهماً، خصوصاً بعد أن يولد جيل جديد يعرف عن لبنان وكل دولة مضيفة أكثر مما يعرف عن سوريا، ويفقد شعوره بالرغبة في العودة والحنين الى الوطن الأم.
إن أي خطة توضع للعودة هي في حاجة الى موافقة كل الجهات المعنية، وهو ما ينبغي على الحكومة اللبنانية السعي اليه توصلاً الى تنفيذ خطة العودة بسهولة وبأسرع وقت، فالوقت لا يعمل لمصلحة العودة اذا طال لأي سبب من الأسباب.