تتّجه الأنظار الى الخطاب الذي سيلقيه الرئيس ميشال عون في القمة العربية التي ستعقد في عمّان نهاية الشهر الجاري لأنه أوّل خطاب يلقيه على مستوى القمة، ويتناول القضايا العامة وموقف لبنان منها، ويكون لهذا الموقف انعكاساته في الداخل والخارج. فهل يحظى بالتأييد الذي حظي به خطاب القسم؟

الواقع أنه يمكن معرفة ما قد يتضمّنه الخطاب بالعودة إلى أحاديث الرئيس عون أمام زوّاره من قطاعات سياسية وأمنية واقتصادية ومراجع دينيّة. ففي مستهل الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء شدّد على تنفيذ القرار 1701 من جانب جميع المعنيّين به، وقال إن لبنان معني بحماية حدوده والدفاع عن أرضه ومحاربة الارهاب. وطلب أن تستمر المساعدات العسكرية للجيش، مؤكّداً أن لبنان لا يعتدي على أحد بل يدافع عن نفسه ويحمي وحدته الوطنية، ولا يجوز لأي خلاف خارجي أن يؤثّر على هذه الوحدة التي باتت نموذجاً تقتدي به دول العالم، ولا سيّما أنه لا مكان للأحادية في مستقبل الدول سواء كانت دينية أو سياسية أو عرقية. والرئيس عون يرى العالم اليوم مجتمعاً مختلطاً، فإذا لم تُحترم المبادئ الأساسيّة لحرية المعتقد وحق الاختلاف وحرية الرأي، فلن يتمكن أحد من العيش مع الآخر لأنه بعيد من معتقداته، ودعا في أحاديثه الى الانتقال من مرحلة الطائفيّة السياسيّة الى مرحلة المواطنة لاعداد الجيل الشاب على هذه الثقافة الوطنية لأن ما يجمع أفراد المجتمع هي القوانين. أمّا العلاقة الدينية فيجب أن تكون عمودية مع الله الذي يفصل يوم الدين بين الجميع. وفي زيارات الرئيس عون لكل من الرياض والدوحة والقاهرة وعمّان، قال إنه حمل فيها رسالة لبنان الداعية الى السلام والمحبة والتعاون وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. وشدد على الثوابت الوطنية التي تقوم على حق لبنان الطبيعي في الدفاع عن أرضه وشعبه ومقاومته الاحتلال الاسرائيلي وممارساته. ولفت الى ان لبنان يلتزم حماية الفلسطينيين وتوفير الأمن لهم ومنع استعمال أماكن وجودهم، ولا سيّما المخيّمات، لأي أعمال ارهابية، وأن ما يهم لبنان من خلال قمة عمّان أن يعلن التمسّك بخيار الدولتين وانهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي العربية المحتلة في 1967. وان القمة مدعوّة أيضاً الى وضع خطة طريق للتعامل مع القضية الفلسطينية على أساس مبادرة السلام العربية التي تقضي بانسحاب اسرائيل من جميع الأراضي العربية المحتلة واقامة الدولة الفلسطينية وحل كل قضايا الوضع النهائي.
فهل يعود لبنان في عهد الرئيس عون الى لعب دوره الريادي في المحافل العربية فيعمل على الخروج من كل قمة تعقد بموقف عربي موحّد وتضامن ليكون ذلك منطلقاً لرؤية واحدة لمواجهة التحديات الراهنة وفي مقدمها مكافحة الارهاب والتنسيق بين الأجهزة كافة لاتخاذ اجراءات استباقية لعدم تمكين الارهابيّين من التسلّل إلى أي دولة، والتشديد على أهميّة التوصّل الى حل سياسي للأزمة السورية لكي تجد معاناة اللاجئين السوريّين حلولاً قريبة لها، وأن تولي القمة العربية أهميّة خاصة لأوضاعهم وذلك بتحريك الاتصالات مع المجتمع الدولي، ولا سيّما الاتحاد الأوروبي، للإسراع في إنجاز الاتفاقات الخاصة بالمساعدات المقدّمة إليهم.
وعندما زار الرئيس عون مقر جامعة الدول العربية قبل أن يغادر القاهرة بعد لقائه المسؤولين الكبار فيها، أكّد في كلمة له الحاجة الى أن تستعيد الجامعة دورها وتبادر من جديد فلا تفرض الحلول بل الالتقاء جميعاً حول ميثاقها، معتبراً أن العالم يعيش حرباً عالمية ثالثة ولكن مجزّأة محرّكها الارهاب الذي يتلطّى بالدين وكل دين منه براء. ولفت الى أن التحديات كبيرة ومستقبل الشعوب والدول يتوقّف على مدى النجاح في جبه هذه التحدّيات. ورأى أن نجاح المواجهة يكون بإحداث تغيير في المجتمع العربي لأن الحروب المشتعلة في المنطقة باتت في حاجة الى اعادة نظر وتجديد في بنية المجتمع العربي، بعدما نجح الفكر الصهيوني في تحويل الحرب الصهيونية – العربية حرباً عربية – عربية تقوم على صراع دموي طائفي لا بل مذهبي وبين أبناء الوطن الواحد. فهل يكون لبنان جاهزاً في عهد الرئيس عون كما كان جاهزاً في الماضي لأداء دوره وبذل مساهمته ضمن العائلة العربية الكبرى والاسهام في كل مشروع نهضوي يؤمن فرصة للتغيير والبناء على مبادئ ورؤى تدفع بالشعوب العربية الى رحاب الاستقرار والتقدّم، ودعوة العقلاء في العالم العربي ودول العالم الى تغليب نهج الاعتدال ولغة الحوار وثقافة قبول الآخر واحترام معتقده، كما قال الرئيس عون؟
إن الرئيس عون يدخل التاريخ إذا ما اضطلع بهذا الدور، والتوفيق بين العرب وبناء حد أدنى من علاقات التفاهم العربي حول المسائل الأساسيّة والجوهريّة وصراعات المنطقة.