مهزلة تأليف الحكومة التي لم يشهد لبنان مثيلاً لها في تاريخه، أضاعت على الناس فرصة الفرح بولادتها فكانت أشبه بذاك الزوج الذي ما إن رُزق مولوداً حتّى توفّي، وبعد انتظار عشر سنين رُزق مولوداً لكنّه لم يفرح به لشدّة خوفه عليه، وقال للقابلة التي زفَّت إليه بشرى ولادته: “إن شاء الله يعيش”.

لذلك لم يعد يهمّ الناس بعد مهزلة تأليف الحكومة حجمها ولا مواصفاتها، بل صار يهمّهم أن تعيش… كونها تجمع الأضداد والمتناحرين باسم “الوحدة الوطنيّة” الكاذبة.

الواقع أن ما حصل لو أنّه حصل زمن الرجال الرجال لاستقال كل من شارك في هذه المهزلة، ولكانت تألّفت فوراً حكومة من خارج مجلس النوّاب تتكرّر الدعوة إليها الآن من كل المرجعيّات الدينيّة وبعض المراجع السياسيّة، ويبدأ معها تطبيق فصل النيابة عن الوزارة، وليجرؤ عندئذ من يحجب الثقة عنها لأن حسابهم سيكون عسيراً إنْ لم يكن في الانتخابات النيابية ففي الشارع الذي قرف سياسة المُحاصصة والخلاف على الحقائب. فالأزمات هي محك قوّة الرجال، فإمّا يتغلّبون عليها وإمّا تتغلّب عليهم.

ويتساءل الناس بعد طول مهزلة التأليف: ماذا ينتظر الرئيس ميشال عون والرئيس المُكلّف سعد الحريري لتأليف حكومة من خارج مجلس النوّاب وهو ما لجأ إليه أكثر من رئيس جمهوريّة سابقاً، وتكون حكومة مُنسجمة ومُتجانسة تصلح لتنفيذ قرارات مؤتمر “سيدر” بعيداً من سياسة المحاصصات وتقاسم المغانم؟

إنّ الناس لم يعد يهمّهم شكل الحكومة ولا مواصفاتها ولا حتّى بيانها الوزاري، بل صار يهمّهم كيف تحكم وتكون أولويّات الناس هي أولويّاتها بدءاً بتأمين الكهرباء 24 ساعة دونما حاجة إلى بواخر مستأجرة ولا إلى مولّدات خاصة لجني أرباح خاصة… حتّى إذا ما تأمّنت الكهرباء ينخفض العجز في الموازنة وتستعيد الحكومة ثقة الناس وتكون بداية لمستقبل واعد.

إنّ أوّل امتحان لوحدة الحكومة هو في الاتفاق على حل سريع ودائم لمشكلة الكهرباء، وأوّل امتحان لنجاحها هو أن يكون هذا الموضوع على رأس جدول أعمال جلسة لمجلس الوزراء.

إنّ الشعب اللبناني يحسد نفسه على ما هو فيه عندما يرى ما هو أسوأ في غير دول في المنطقة وإلّا لما ظلَّ الشارع هادئاً وهو يرى بأمّ العين مَنْ يسرق ولا يُحاسَب، وهو ينام على قلق ويستيقظ على قلق ويده كل يوم على قلبه خوفاً من مفاجآت تغيّر نمط حياته. لذلك فإنّ الشعب لا يهمّه أي حكومة تحكم بل كيف تحكم خدمة للوطن والمواطن، ولا يهمّه حتّى أي حزب يحكم ومَنْ هو على رأس هذه السلطة أو تلك، ولا مَنْ يمتلك أكبر عدد من المقاعد الوزاريّة وأهم الحقائب، بل يهمّه مَنْ يؤمّن له الاطمئنان النفسي وراحة البال والعيش الكريم. فالشعب لم يعد يرى خيراً في حكومة تسمّى “وحدة وطنيّة” وقد جرّبها غير مرّة فكانت فاشلة وغير مُنتجة، وإن دقّة الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان لم تعد تتحمّل التجارب.

لقد ضاع وقت كافٍ على تأليف حكومة الخلاف على الحصص والحقائب، فهل تعوّض حكومة بعد تأليفها خسارة هذا الوقت بعقد جلسات مكثّفة لمجلس الوزراء لإقرار المشاريع التي تنهض بلبنان في شتّى المجالات؟

إن الإصرار على تأليف حكومة وحدة وطنيّة وإن بالإسم، سيكون آخر تجربة، فعسى ألّا تكون فاشلة كسابقاتها فتأتي عندئذ بآخرة لبنان وتذهب بكل مَنْ في السلطة.

إن الناس لم يعد ينتظرون أن يفرحوا بولادة حكومة تكون نسخة طبق الأصل عن سابقاتها وتستنسخ بياناتها الوزاريّة، إنّما ينتظرون الأعمال التي تجعل البلاد تطير من الفرح قبل أن يطير البلد.