عندما كانت أميركا يهمّها أمن اسرائيل أكثر بكثير من أمن لبنان جعلته يدفع غالياً ثمن انتشار السلاح الفلسطيني داخل المخيّمات وخارجها على ارضه والانطلاق بعمليّات فدائيّة ضد اسرائيل، وحاول لبنان ضبط استخدام هذا السلاح من خلال "اتفاق القاهرة"، لكن هذا الاتفاق الذي اعتبرته اسرائيل انتهاكاً لاتفاق الهدنة المعقود مع لبنان، لم يتمكّن من ضبط استخدام السلاح الفلسطيني فكانت حرب السنتين في لبنان وقد تحوّلت حرب الآخرين على أرضه ودامت 15 سنة، وألحقت بلبنان خسائر جسيمة بشرية ومادية. ثم كانت الوصاية السوريّة على لبنان التي أخرجت الفلسطينيّين المسلّحين منه إلى تونس، ودامت تلك الوصاية 30 عاماً...

 

هذا هو الثمن الغالي الذي دفعه لبنان بسبب انتشار السلاح الفلسطيني على أرضه. فأي ثمن سيدفعه الآن بسبب انتشار سلاح "حزب الله" وعدم قدرته على ضبط استخدامه ما دام لا اتفاق على ضبطه من خلال استراتيجيّة دفاعيّة تُحقّق ذلك؟

 

الواقع أن أميركا اليوم مهتمّة بأمن لبنان واستقراره وتقدِّر ظروفه وتتفهّم تركيبته السياسيّة والمذهبيّة الدقيقة والحسّاسة والتي يشكّل "حزب الله" مكوّناً مُهمّاً فيها تجعله (لبنان) غير قادر على ضبط هذا السلاح أو نزعه لئلّا يهتزّ الاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي فيه، وأن مسؤوليّة انتشار السلاح الفلسطيني في لبنان وحَمْل "حزب الله" السلاح تقع على عاتق أميركا والمجتمع الدولي. فلو أن أميركا حملت اسرائيل على الانسحاب من الأراضي الفلسطينيّة التي تحتلّها تنفيذاً لقرارات مجلس الأمن الدولي، لما كان اللاجئون الفلسطينيّون حملوا السلاح لتحرير هذه الأراضي، ولما كانت وقعت حرب مدمّرة في لبنان. 

 

ولو أن أميركا جعلت اسرائيل تنسحب من الأراضي اللبنانية التي لا تزال تحتلّها، لما كان "حزب الله" وغيره يحمل السلاح بحجّة تحرير هذه الأراضي، خصوصاً أن حرب تموز 2006 توقّفت استناداً إلى القرار 1701 الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي تحتلّها، وعندها يصبح لبنان مسؤولاً عن بقاء السلاح في يد "حزب الله"، لا بل يستطيع عندئذ إقامة الدولة القويّة القادرة على بسط سلطتها وسيادتها على كل أراضيها، ولا يكون فيها دولة سواها ولا سلاح غير سلاحها. أمّا أن يبقى الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينيّة واللبنانيّة ولا سلاح يحمله الفلسطينيّون واللبنانيّون لإزالة هذا الاحتلال، فأمر غير ممكن وليس في استطاعة أي دولة نزع هذا السلاح قبل أن تستعيد حقوقها المشروعة من اسرائيل. ثمّ ان أميركا تعلم أن لا حل لمشكلة سلاح "حزب الله" في لبنان إلّا بالتفاهم مع إيران التي تموّل الحزب وتسلّحه. فعندما يصير اتفاق مع إيران يتوقّف التمويل والتسليح ويصبح تحرير الأرض من مسؤوليّة الدولة.

 

لذلك فإن أميركا وهي الآن في صراع شديد مع إيران، يجعل لبنان ينتظر نتائج هذا الصراع ليتقرّر مصير سلاح "حزب الله" بل ليتقرّر مصير المنطقة، وهل هي ذاهبة نحو الأمن والاستقرار أم نحو مزيد من الاضطرابات والقلاقل.