ميلاد بومهلب هو ذاك الرجل الذي تعرَّى في مظاهرة ، ويرفع لافتة " أنا إنسان أنا لبناني"  أكمل سيره إلى ساحة مجلس الشعب واضعاً فوق رأسه قفير نحلٍ قدَّمه هدية إلى نواب الأمة  لعلَّ سادة النواب أن يتعلَّموا لغة النحل في التكافل والتكامل وإدارة الدولة...فظهر عارياً  إحتجاجاً على سياسة الدولة وسيطرة الأحزاب ولحى الخوارنة.. على ما يعاني منه المواطن اللبناني من مآسي وأحزان وفقر وبؤس، قاصداً قفير نحله ليوحي بذلك وجه الشبه بين النحلة والإنسان لأنَّ كل منهما يعيش في مجتمع وهو بحاجة إلى لغة التخاطب بينهما..لكن الفرق بينهما أنَّ النحل لا يعرف لغة الكلام لكنه يعرف غرائزياً لغة الرقص في الهواء وبإستطاعة النحلة أن ترشد جميع النحل إذا وجدت الأزهار ذوات الرائحة الجميلة وأن ترشدها إذا وجدت ماءاً قَرَاحاً عذباً. فمهمتها ووظيفتها جناء العسل المصفَّى...فما بال الإنسان الذي يقف عارياً والذي يفهم ويعي ما يُقال له وترى يدخل إلى صميم عقله أفكاراً لا علاقة لها في حياته وحاجاته ويستطيع أن يتداولها من دون أن يشعر ماذا تعني وأنها مميتة المرجع الأكبر وصاحب الدولة والفخامة ومعالي الوزير والسيادة والسعادة أصحاب الفضيلة قداسة البابا المعصومين من الزلل والخطأ ، من دون أن يلتفت إليها إلاَّ بعد فوات الأوان وخراب البصرة....أسماء ومصطلحات لا تعني شيئاً في أرض الواقع لأنه لا يوجد دولة حقيقية ولا شعب مختار إلاَّ بالتسمية...وطنٌ ندَّعي أننا نملك فيه تراثاً وطنياً مشتركاً وفي الواقع مقسَّمين إلى طوائف ومذاهب وأحزاب ولا حصر لذلك...وطنٌ ندَّعي فيه أننا نريد عيشاً واحداً وتاريخاً مشرِّفاً وفي الواقع مقسَّمين إلى شرفاء وعملاء...وطنٌ ندَّعي فيه أننا نملك لغة واحدة وفي الواقع اللغة مقسَّمة إلى لغات ذهبية ولغات خشبية...وطنٌ نعيش فيه تحت المثل القائل " من بعد حماري ما ينبت حشيش"..ترى فيه البطالة والفقر والحرمان والإذلال والخوف والمرض والجوع ، وفي الواقع ندَّعي أننا كالجسد الواحد إذا  اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمَّى.... فالدولة والسلطة والحكومة أو ما شئت فعبِّر عن الحاكم والمسؤول الذي يتحمَّل القسط الأكبر من المسؤولية عن تفشِّي الأمراض القاتلة والفتَّاكة في المجتمع فإذا كانت مقصِّرة في أداء واجباتها أمام الرعايا ومختلقة في ذلك جملة من المبرِّرات لا تعدُّ كونها مزوِّرة للحقيقة ، فهل يصبح هذا التقصير والنهب مبرِّراً للمواطن كي يرفع المسؤولية عن كاهله إزاء ما يجري على غيره من إخوانه من تلك المآسي ومطالبة بأبسط أنواع الحقوق والواجبات كما رأينا "بومهلب" وغيره من الكثيرين الذين طالبوا إلى يد المساعدة لبلسمة الجراح...أليست الحياة جحيماً وأغلب الناس فيها ذئاباً ، فإذا لم تسد فيها روح التكامل والتعاون نكون مواطنين سنداً لبعضنا البعض في مواجهة الصعوبات متعاونين جميعاً على البرِّ والتقوى والصلاح والمحبَّة والخير في هذا الوطن.....الشيخ عباس حايك