اللغة ليست فقط للتخاطب ، بل هي ذاكرة الناس.. ولكنها عند جمهور المُصفِّقين فهي لطمة مميتة أضاعت صوابهم إلى حدِّ فقدان الوعي..ولذلك ترى في لغة السَحَرة والسحرية الزهامرية لا تستمد المعاني من واقع الناس كي  يتيه الإنسان عن موقعه في الماضي والحاضر كما يتيه المريض فاقد الذاكرة عن شخصه واسمه وعنوانه ، بل حتى عن وجوده ما دام هناك من يتكلَّم نيابة عنهم وعن وجودهم...من هنا يستكشف عن ذلك أهمية تكوين الذاكرة لدى الواعظ والمُتعظ ، وبين الداعية والمدعو . وخصوصاً أنَّ ذاكرة الداعية تكون على مساحة أوسع وفي نطاق أعمق من ذاكرة المدعويين والمتعظيين ، فالذاكرة هي من مكونات الوعي في التراث والثقافة والأدب والتاريخ ، كي لا يكتب التاريخ فقيهٌ مأجور لدى السلطة والحالكم الديني والسياسي التي تسعى جاهدة إلى محو الذاكرة من الأجيال مُبرَّرة من وجهة نظر السلطة الإقطاعية بموجب أساطير وسخافات وخُرافات وأوهام لا علاقة لها بواقع الناس ولا تلامس حاجاتهم المادية والإجتماعية..بل تحاول أن تفسِّر لجمهورها تفسيراً أسطوريَّاً بإعتباره عالم سحري ومسحور غائب في عالم غير مرئي فهو مجرَّد سلاح لضرب ذاكرة الناس لكي تبقى لغةً مستمدَّة من لغة الناس ومعانيها بعيدة كل البعد عن واقعهم وحياتهم..فالذاكرة هي الخبرة والإحساس لوعي الحاضر والمستقبل فالسعي لمحوها تحوِّل الماضي إلى غياب تهجيري وإغترابٍ مميتٍ فتصبح قصص كهنوتية عن العالم السفلي وعلاقة الحاكم بالآلهة...فإذا فقد الإنسان ذاكرته التاريخية ونسي مهمته اللغوية والثقافية بكل معانيها وسخَّر سلاحه لخدمة الإقطاع يكون مسؤولاً عمَّا اقترفته وما كسبت يداه وصار بوسعه أن يقرأ قوله تعالى " وما ربُّك بضلاَّمٍ للعبيد " من دون أن يلتفت لنفسه ويكتشف هويته أنه مظلوم على مدى ما يعانيه من فقدان الوعي..فالماضي هو جمال الذاكرة وما يختزن من حكمة وتجارب بين البسطاء والوجهاء ، وبين الأمِّيين والمثقفين ، وبين الفقراء والأغنياء ، علَّنا بذلك نحدِّد قراءة دورنا ولغتنا وثقافتنا ومهمتنا للماضي والحاضر والمستقبل...من هنا نرى لغة الجماهير المُصفِّقة تصلِّي على جنازة الميِّت ، وفي واقعها هي لا تسعى لحماية الحيِّ...في لغة التصفيق تجتمع الجماهير في المسجد وتتهيَّأ لأداء الصلاة وتراها لا تتكلَّم المعاني من خلال الإهتمام بمشاكل الناس اليومية..في لغة الجماهير المُصفِّقة تنتظر شهر الصوم والجهاد لتشعر برغبة التعب والجوع والعطش ، وتبتعد عن معاني اللغة لكي تضمن للفقير رغيف الخبز وللمحتاج تأمين حاجته...هي الجماهير المُصفِّقة ماحية لذاكرة المعاني فهي تؤمن بذلك لكنها تعطي عقلها لرجلً واحد ، فهي لغةٌ حسنةٌ لكن في الواقع ليس حسناً فهو بعيد عن حياتهم لأنه هو الهدف الأساسي والجوهري للساحر والسحرة كما وصف ذلك رسول الله (ص) " إنَّ من البيان لسحراً".. هذا ما يحتاجه وتحتاجه اللغة إلى واقع غريب عن ذاكرة الناس من دون أن يكون غريباً عن لغتهم....