نرى أنَّ النصوص القرآنية العامة تقرُّ حقيقة المساواة بين الرجل والمرأة من حيث شرف الإنسانية والحقوق الفطرية ، بحيث يمكن أن تكون هي الأصل يقوم عليها البناء التشريعي والحقوقي للمرأة...منها قوله تعالى   (يا أيُّها الناس إتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ واحدة وخلق منها زوجها وبثَّ منهما رجالاً كثيراً ونساءً ) وقوله تعالى ( فاستجاب لهم ربُّهم أنِّي لا أضيع عمل عاملٍ منكم من ذكرٍ وأنثى بعضكم من بعض ) وقوله تعالى ( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولى من بعض )..هذه الخطابات القرآنية تقرِّر حقيقة إشتراك الرجل والمرأة في الإنسانية ومخلوقَين من نفسٍ واحدة وكلكم من آدم ، وآدم من تراب..وأيضاً تقرُّ حقيقة أنَّ الولاية لا تنحصر بالرجل والمرأة بل كلٌّ منهما ولي الآخر بعضكم أولياء بعض كما نصَّت عليه الآية القرآنية الآنفة الذكر...وأمَّا من ناحية النصوص الروائية حول المرأة كما ورد في الكثير منها من إستصغار لشأنها وإهدار لكرامتها ، كما ورد ( المرأة شرٌّ وشرُّ ما فيها أنَّه لا بدَّ منها ) ومنها ( أنهنَّ ناقصات العقول والإيمان والحظوظ ) ومنها ( لو كنت أمرت أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) ومنها ما ورد ( شاورهنَّ وخالفوهنَّ ) ومنها ( إتقوا شرَّ النساء وكونوا من خيارهنَّ على حذر ، وإن أمرنكم بالمعروف فخالفوهنَّ كيلا يطمعن في المنكر ) ونجد أيضاً في تراثنا الديني من روايات عديدة تكرِّس حالة الجهل لدى المرأة وأنَّ الأفضل أن تبقى على حالها من الجهل والأُميَّة وعدم الإطلاع إلاَّ على ما يخصُّها من مسائل الصلاة والصوم والعادة الشهرية وغير ذلك...نذكر أيضاً منها على سبيل المثال لا الحصر ( لا تنزلوا النساء الغرف ولا تعلمونهنَّ الكتابة وعلِّموهنَّ المغزل وسورة النور ) ورواية أخرى ( لا تعلِّموا نسائكم سورة يوسف ولا تقرؤوهنَّ إيَّاها فإنَّ فيها الفتن ، وعلِّموهنَّ سورة النور فإنَّ فيها المواعظ ) نكتفي بهذا القدر من المرويات في دائرة الموروث الديني في شأن المرأة ، وهنا لا يخفى على ذي عقل أنَّ هذه الروايات تتعارض مع النص القرآني ولا يمكن أن تصدر عن السنة النبوية الشريفة التي قرَّرت حقيقة الأخذ بها وهي أنَّه إذا أتاكم الخبر عنَّا فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق الكتاب فخذوه وما خالفه فاضربوا به عرض الجدار أو عرض الحائط ، حتى وإن كان قائله محمد بن عبد الله..... فمن هنا تقرَّر الفصل بين مقولة الدِّين وبين مقولة الشريعة ، لأنَّ الدِّين ما تشترك في مضمونه جميع الأديان السماوية من مبدأ التوحيد والمعاد وأشكال العلاقة الروحية بين الإنسان وخالقه ، والتحرُّك نحو خط التقوى والعدالة والقِيَم الإنسانية والأخلاقية ، وهذا هو الإسلام بمعناه العام ( إنَّ الدِّين عند الله الإسلام )...وأما مقولة الشريعة فهي الأحكام والقوانين والسنن والدساتير الخاصة بكل طائفة من حيث مراعاتها لمتطلبات الواقع الإجتماعي والثقافي  (لكلٍّ جعلنا منكم شِرعةً ومنهاجاً ) فهنا تبقى مقولة الدِّين ثابتة ، ومقولة الشريعة تبقى تحت دائرة المُتغيِّر، كما قرَّره علماء الأصول في محلِّه...وهنا إتضحت لنا هذه الحقيقة وهي شدَّة تأثير الثقافة السائدة في الوسط العربي والإسلامي في صياغة الروايات والنصوص بحيث تحوَّلت التقاليد السائدة إلى ثقافة دينية ، وتحوَّلت ثقافة الذكورية إلى ثقافة إسلامية...فمن هنا نرى أنَّ الدِّين والنص القرآني المحفوف من كل أشكال التحريف والدَّس والتشويه يكفل حق المرأة من العنف الأسري وأنَّ لها إنسانيتها وكرامتها ولا يمكن الرجوع إلى الروايات المذكورة التي يرد فيها أشكال الدَّس والتحريف ، ولا يمكن الرجوع إليها في صياغة الحقوق والمفاهيم الدينية ورسم التصورات عن الحياة والمجتمع ومنظومة القِيَم وغير ذلك إلاَّ بعد عرضها على القرآن الكريم لمعرفة الصحيح من السقيم ، والإلهي من البشري ، والنافع من الضَّار منها كما أوصانا بذلك أئمة الهدى والدِّين عليهم السلام.........الشيخ عباس حايك