هناك رأي إسلامي على أنَّ النبي (ص) قد أمر بتدوين النص القرآني ، ورأي يقول أنه تعمَّد أن يشرف بنفسه على جمع القرآن الكريم وترتيب آياته وتدوينه كلمة بكلمة ، وحرفاً بحرف ، وبذلك يكون النبي (ص) أبلغ رسالته بصدق وأمانة ، وجمعه في كتاب محفوظ لا تخرج منه كلمة ولا تضاف  إليه كلمة أو حرف ، ولا يشك أحد من المسلمين في مصدره لأنه كتاب الله تعالى ولا يمكن لأحد أن يشك في نصه الشريف لأنه منقول عن رسول الله (ص) شخصياً..وبهذا يكون القرآن الكريم ما بين الدفتين لا زيادة ولا نقصان فيه . فالأمر من النبي (ص) بالحفاظ على النص القرآني من دون ترجمة أو تغيير هو أمر إنفرد به القرآن وحده من دون بقية الكتب المقدَّسة ، وأثبت أنه الضمان الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لأنَّ كل تشكيك في أصالة هذا النص كان من شأنه أن يفتح باباً فقهياً لتفسير كل مشكوك ، ولهذا عمد الرسول (ص) إلى الأمر بتدوينه والحفاظ عليه.. وأما الكلام عن تدوين الرواية اوالحديث لم يتفق المسلمون في ذلك لأنه لم يكن الرسول نفسه قد اعتمد الحديث مصدراً للتشريع ولم يأمر بجمعه ولم يوص بحفظه وتدوينه ، وبالتالي لم يكن الحديث كتاباً محفوظاً في صيغة محدَّدة يصعب تحريفها أو الإضافة إليه والنقصان منه..فمن هذه الثغرة الطارئة في تاريخ المسلمين تسلَّل إلى الإسلام نص شرعي جديد إسمه (الحديث أو الرواية ) والكل ينقله عن رسول الله لكنه قطعاً يحتمل الشك والمرية لأنه ليس نصاً قرآنياً. فمن هنا نرى أنه بعد وفاة النبي (ص) بفترة وجيزة وقصيرة جداً أصبح عند المسلمين علماً جديداً بإسم الحديث كان الهدف منه والمعلن هو أن يحفظ سنة رسول الله ، وهدفه غير المعلن أن يخوِّل الفقهاء سلطة التشريع نيابة عن الناس ، ولهذا عمد فقهاء المسلمين من الإمام الشافعي وغيره إلى تحديد مصادر الشريعة وحصرها في أربعة مصادر : القرآن،  والسنة ، والإجماع ، والعقل (القياس)....نرى أنَّ الإجماع مختلف فيه فالبعض يعتبره إجماع الصحابة وبعضهم يعتبروجود المعصوم فيه ، ونرى أنَّ نفس مذهب العقل لا يؤمن بعقول الناس بل بعقول الفقهاء المتخصصين ، وهذا الموقف يشبه أن يتكلم علماء النحو نيابة عن كل الناس...بهذا يترتب تلقائياً انقسام المسلمين في السنة بدورها وبين مذاهب الفقه الإسلامي إلى ما لا نهاية وظهر في الإسلام من الفرق الدينية أكثر مما ظهر في جميع الأديان مجتمعة ، فأصبح للشيعة أحاديث وللسنة أحاديث وللخوارج أحاديث وللمرجئة أحاديث وللوهابية أحاديث وللسلفية أحاديث وهكذا انفتح الباب في التاريخ المسحور والذي ما زال إلى الآن يحاولون إغلاقه عبثاً فتصدَّرت الكتب الحديثية بين التصحيح والتضعيف وانشغل الفقهاء في تصحيح التصحيح من الحديث وهذا يصحِّح وذاك يضعِّف حتى الآن بقيت الأمة الإسلامية بين الصحيح منه والضعيف وكلٌّ يدَّعي أنه الحق من رسول الله فيبني سلطته تحت هذا الصحيح ليحكم بإسم الشرع الإلهي.. وجاءت الأحاديث والنصوص الروائية تحكم على الآخر تارة بالكفر ونقصان الدين والعقيدة والمذهب وبطهارة الإنسان ونجاسته ، وتارة أخرى بالقتل وإقامة الحدود...علماً أن القرآن الكريم بالنص الثابت والمتفق عليه حدَّد الهوية والمعتقد بقوله تعالى في سورة النساء آية 136 قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي أُنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً ).....الشيخ عباس حايك